محمود عبد الغنيفي مطار هواري بو مدين، شوهدت سلمى الخضراء الجيوسي (1928) وهي تتهجى الطريق بمساعدة شاعرٍ فلسطيني. لماذا جاءت من بلدٍ إلى بلد والروح أتعبت الجسد؟ تلك هي إذن السيدةُ الصغيرة التي ترجمت الشعر ودرست الشعر وسافرت من أجل الشعر. ها هي اليوم على أرض الجزائر، البلد الذي ينتظر فيه الناس عودة شهدائهم كل أسبوع. أمرٌ صغيرٌ أذهلني، امرأةٌ لم تستطع دفع عربة حقائبها، ولم تستطع المشيَ إلا ببطء، لكنها استطاعت أن تحلق في الجو لساعات وتحط على أرض الجزائر، ترى ما السر؟ الثورة. الثورة. الشهداء. الشهداء. هاريت بيتشر ستاو كانت هي الأخرى امرأةً صغيرة، لكنها كتبت رواية «كوخ العم توم» عام 1852 وأشعلت فتيل الحرب الكبيرة في أميركا.
كل من حاول النبش في ماضي هذه السيدة، لا بد من أن يشعر بالخوف. سلمى اسمٌ جميلٌ للغاية. بنفس جمال وموسيقى اسم نازك. الدافعُ ليس هو الوحيد وراء التسمية، بل المصيرُ هو الأهم. رسم المصير. سلمى من ذلك النوع من الكتّاب الذين امتدحهم الجميع في ملاحق الجمعة والأحد، فقررت العمل بفعالية وحذر.
صباح الاثنين في 18 أيار (مايو) الحالي، دخلت سلمى مطعم الفندق تتقدمها عاملة المطبخ. تمشي السيدة الصغيرة من دون أن تلتفت. تابعت طريقها وقعدت على طاولة في الزاوية. إنها تحلم. ما طعامها هذا الصباح؟ للمشارقة والخليجيين عاداتٌ في وجبة الفطور. عكسنا نحن المغاربيين الذين نفطر على عادات مستعمرنا السابق. فطور السيدة الصغيرة شاي وفطيرة كالقطرة تتوسط إناءً أبيض. وقد يكون فطورها الرئيسي هو هذه النظرة المستغرقة إلى البحر. طعامها هو طعام صغار الطير. جلس إلى مائدتها رجلٌ في الخمسينات. يأكل ويتحدث بسرعة من دون أن يحرك يديه. «من يعرف لا يتحدث ومن يتحدث لا يعرف» (لاو تسو). نهضت السيدة الصغيرة وبدأت تختار منتخبات من الفاكهة. أنطولوجيا نافعة ليوم طويل ستتحدث فيه ـــ ضمن عكاظية الجزائر للشعر العربي بدعوة من وزارة الثقافة ـــ عن أدونيس وكيف أساء للعرب منذ «الثابت والمتحول»، وعن محاضرته في كردستان العراق منذ أسابيع، وعن أوباما... منقذ أميركا.