محمد خير«حزني مش أبيض... عارفة، بس مين فينا مش شايل على قلبه غيامات سودة». ليست العبارة السابقة جزءاً من قصيدة، وإن كان يمكنها، بسهولة، أن تكون كذلك، بل جزء من حكاية «ضحى». والأخيرة واحدة من 12 حكاية (غير) عجيبة، لكن موجعة، يرويها أحمد الفخراني على لسان أبطالها في كتابه «في كل قلب حكاية» الصادر عن «دار العين» القاهرية (غلاف أمينة زكي). بالعامية المصرية، يقدم الفخراني حكاياته، باستثناء الأخيرة منها، ربما لأنّه يسميها «حكايتي». تلك كتبها بفصحى شبه تراثية، مطعّمة بمقاطع للنفرّي. أما حكايات الآخرين، فلغتها المحكية قد تتطلب بعض الجهد من قارئها. وكانت قد نشرت من قبل على صفحات «البديل» اليسارية قبل توقّفها الموقت. إصدار الكتاب سبق أزمة الجريدة بفترة وجيزة، فنجا بحكاياته خارجاً بها من عصف الصحافة اليومية إلى هدوء المكتبات، حيث تكمل ضحى حكاية جسدها الذي كان «دايماً عطشان». رغم بساطتها، تدرك أن الجنس «سبب كل حاجة... الانبساط والزعل، المشاكل والحلول، السكر والمرار». هي ليست جميلة وإن أدرك الرجال شبقها الذي لا يرتوي، طاردوها في كل مكان، ولم تحاول منعهم. شاب وحيد أحبها حباً رومانسياً «عبيطاً»! سايرته قليلاً ثم ابتعدت عندما أدركت أن قبلته «مالهاش طعم». لم يكن ثمة علاج «لحالتها» التي لا تكتفي برجل وحيد. الرجال المتحفّظون تحرّشوا بها سراً، وصديقاتها المهذبات يطلبن ـــــ في الباطن ـــــ نصائحها. وإذ مر شبابها سريعاً، لم تجد من عشاقها مَن يقبل الزواج بها «شوفيلك عبيط غيري»!
وعلى الرغم من أنّ بشير يمتلك أسباباً مختلفة للحزن، إلا أنه بدوره قضى عمراً في البحث الدؤوب عن سعادة، فلم ينل سوى لذّات موقتة، انتهت به إلى عمر الخامسة والثلاثين، وما زال طالباً في السنة السادسة في كلية الطب، مخيّباً أمل أهله الريفيين، ومخبّئاً داخله شاعراً محبطاً. تماماً مثل جمعة الذي «ما انتقمش م الدنيا في شخص إلا شخصه»، أو عبير الممثلة التي لم تمثل، البنت التي وصلت إلى الثالثة والثلاثين «وبرضه لسه بنت» تكتفي بغناء المواويل لأن «صوتي أحلى منّي».
حكايات الفخراني يجمعها خيط من الحزن، ومن الحيرة، لغتها مشغولة بحساسية أخذت منها بعض تلقائيتها، لحساب لغة منمنمة دقيقة، ونصوص لا تبحث عن الأسباب، إنما تنقّب عن الشعر بين حكايات الناس.