من يهدّد الإعلاميين في لبنان؟ هل هناك حقاً موضوعية أم حيادية؟ أسئلة عديدة طرحتها ندوة «استقلالية الإعلام في مناطق النزاعات والأزمات ــ الإعلام اللبناني نموذجاً» من دون أن يخرج النقاش عن الإطار التقليدي
ليال حداد
رغم العنوان المثير للقاء الذي نظّمه «مركز حماية وحرية الصحافيين» ومؤسسة «الصوت الحرّ» الهولندية يوم الجمعة الماضي في فندق «السفير» في بيروت، إلا أنّ النقاش جاء شبه تقليدي، كرّر ما ورد في مختلف الندوات التي نظّمت أخيراً في بيروت عن حرية الإعلام. حمل اللقاء عنوان «استقلالية الإعلام في مناطق النزاعات والأزمات ـــــ الإعلام اللبناني نموذجاً»، وقسّم إلى جلستين: الأولى عن «أثر التبعية السياسية والمالية للمؤسسات الإعلامية...»، والثانية عن «دور الإعلام ومستقبله في الأزمات السياسية... تأجيج الصراع أم تحفيز الحوار؟».
قبل صعود المحاضرين إلى المنصة، كان لوزير الإعلام اللبناني طارق متري مداخلة شرح فيها أسباب تراجع مرتبة لبنان ضمن «لائحة الدول للحرية الإعلامية». طمأننا الوزير إلى أنّ الدولة لا علاقة لها بهذا التراجع «هي ليست دولة مستبدة ولا وجود لقوانين استثنائية تهدّد الحرية الإعلامية». المذنب الأوّل هو «التعديات التي تبلغ حدّ قتل الصحافيين الأحرار من طرف ليس الدولة، إضافة إلى رقابة تمارس بطرق ملتوية من دون أن يكون هناك مسوّغ لممارستها».
الدولة إذاً غير مسؤولة عن كل ما تعانيه الصحافية اللبنانية من تدهور. وذكّر متري الحاضرين «بالمحاولات الجادة للوصول إلى شرعة يحسبها كثيرون من بديهيات العمل الإعلامي»: إنه ميثاق الشرف الذي حاولت الوزارة فرضه على وسائل الإعلام. ولم يفوّت الوزير الفرصة لمهاجمة وسائل الإعلام التي رفضته. طبعاً لا يخفى على أحد أنّ وسائل الإعلام المقصودة هي «الأخبار» وتلفزيون «الجديد» اللذان رفضا الميثاق لما يحتوي عليه من مواد وبنود مطاطة قابلة للتحوّل إلى وسيلة لتكميم أفواه الصحافيين.
من يهدّد الإعلام والإعلاميين في لبنان؟ ما هي الوسائل المفترض اعتمادها لتحسين الوضع الإعلامي؟ هل من استقلالية إعلامية أو موضوعية أو حيادية؟ أسئلة كثيرة طرحها المشاركون في الجلسة الأولى، وحاولوا الإجابة عنها في مداخلاتهم عبر استعراض الواقع الذي يعيشونه داخل مؤسساتهم. رئيس تحرير الأخبار في قناة «أخبار المستقبل» حسين الوجه، اتفق مع الوزير متري على أنّ الضغط الذي تتعرّض له وسائل الإعلام هو ضغط سياسي، وليس من الدولة، «لأن هذه الأخيرة هي الأضعف، فالواقع السياسي أقوى من تطبيق القوانين». ودليلاً على ذلك، ذكّر بحرق مبنى تلفزيون «المستقبل» وقطع بثّه خلال أحداث 7 أيار (مايو) 2008. غير أنّه يبدو أنّ المثل لم يعجب مدير العلاقات العامة في تلفزيون «المنار» إبراهيم فرحات، فتمنّى عليه لو عاد أيضاً إلى تدمير مبنى قناة «المنار» تدميراً كلياً خلال عدوان تموز.
وبعيداً عن النقاش الضيّق، استعادت الزميلة مهى زراقط الحادثة الشهيرة في تاريخ لبنان، يوم استقبل الرئيس شارل حلو وفداً من الصحافيين اللبنانيين، فرحّب بهم قائلاً: «أهلاً بكم في وطنكم الثاني لبنان» في إشارة إلى وطنهم الأول، أي الدول التي تموّلهم. وبعد ثلاثين عاماً على هذه الحادثة، استقبل الرئيس رفيق الحريري وفداً إعلامياً فقال لهم: «أهلاً بكم في وطنكم الأول لبنان». وتساءلت زراقط إن كان الحريري قد قصد بتلك الجملة أنّه ينبغي للصحافيين وقف ولائهم المزدوج أو أنّه كان يعلن لهم أنه بات هو جاهزاً لتمويلهم، «للأسف أثبتت التجربة صحة الفرضية الثانية، من دون أن تتوقف بعض المؤسسات عن اللجوء إلى تمويل خارجي أيضاً».
وإن كانت الشهادتان اللبنانيتان قد استعرضتا الواقع اللبناني، فإنّ منظمي اللقاء ارتأوا أيضاً الاستعانة بشهادة رئيس تحرير جريدة «الغد» الأردنية موسى برهومة الذي تحدّث عن محاولات احتواء الإعلام من خلال الرشى المالية الضخمة.
غير أنّ التجربة الأكثر متعة ـــــ إن صحّ القول ـــــ فكانت لضيف الشرف الصحافي السريلانكي سوناندا ديشابريا الذي أسس عدداً من الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان والصحافيين في بلده، ونظّم عدداً كبيراً من ورش العمل لضبط الحرب الأهلية بين السريلانكيين، وخصوصاً التاميل والسينهاليين؟ الجلسة الثانية بدت أكثر حدةً وانفعالية. إذ عادت الإعلامية رانيا بارود إلى حادثة تصوير أحد ضباط الجيش وهو يقدّم الشاي للإسرائيليين، وتمنّت لو أنّ الشريط لم يعرض «حفاظاً على وحدة اللبنانيين» وهو ما أثار استياء عدد من الحاضرين الذي أكدوا أن تصوير الضابط كان عملاً صحيحاً. وفي الإطار نفسه، أعلن مدير قناة «المنار» عبد الله فرحات أن لا وجود لمفهوم الحيادية، لأنه موقف غير أخلاقي، فيما خالفه رئيس تحرير جريدة «الآن» الإلكترونية سعد العجمي، مؤكداً أنه لو لم يكن هناك حيادية لما كانت قناة CBS الأميركية قد عرضت صور تعذيب السجناء في «أبو غريب».