حين يُحكم بالسجن لمدّة ستّة أشهر على مالك الجبانة، بطل فيلم «نبي» لجاك أوديار، يعتقد الجميع بأنّ هذا الفتى الذي لم يبلغ بعد التاسعة عشرة من العمر، سيكون فريسة سهلة للمافيات التي تتقاسم النفوذ داخل جدران السجن. مالك المتحدر من عائلة مهاجرين عرب، شاب خجول لا يجيد القراءة ولا الكتابة، وليس لديه أي سند بين المساجين. لكن غريزة البقاء سرعان ما تولّد لديه عبقرية من نوع خاص، تجعله يسحب البساط من تحت أقدام المافيا الكورسيكية، والجماعات الأصولية الإسلامية، ليبسط نفوذه على المساجين بلا منازع. وإذا بالفتى الخجول يتحول إلى وحش كاسر، كاشفاً عن «كاريزما» لم يكن يتصورها أحد.لتصوير هذا التحول الذي يحدث في أعماق شخص مسحوق يتحول إلى بطل من نوع خاص، بدافع واحد لا غير هو غريزة البقاء، اختار جاك أوديار ممثلاً مغموراً يؤدي هنا أول دور مركزي على الشاشة. إنّه طاهر رحيم. على غرار الشخصية التي تقمّصها على الشاشة، لم يكن أحد يراهن في بداية هذه الدورة من «مهرجان كان السينمائي» بأنّ رحيم سيستقطب الأضواء. لكنّ أداءه المبهر في هذا الفيلم، جعل منه أكبر اكتشافات المهرجان هذه السنة، وأحد المرشحين الأساسيين لجائزة أفضل ممثّل التي سرقها منه بطل تارتنتينو، كريستوف وولتز. قبل أن يتقمص دور مالك الجبانة، كان قد تعرّف إلى كاتب سيناريو «نبي» عبد الرؤوف ظافري، من خلال مشاركته تحت إدارته كمخرج في دور صغير ضمن مسلسل تلفزيوني عن «كومونة باريس» قُدّم العام الماضي على شاشة Canal Plus الفرنسية.
إلى جانب ذلك الدور التلفزيوني الصغير، ظهر طاهر رحيم أيضاً في دور ثانوي في فيلم الرعب الفرنسي «في الداخل» (إخراج ألكسندر بوستيلو وجوليان موري ـــــ 2007). وقد قدّم تحت إدارة المخرج سيريل مينيغن، في عام 2005، فيلماً بيوغرافياً زاوج بين التوثيق والتخييل، تحت عنوان «طالب اسمه طاهر». في هذا الشريط، عبّر طاهر رحيم ـــــ كان آنذاك طالباً في معهد السينما في مونبولييه ـــــ عن أحلامه بأن يصبح ممثلاً سينمائياً كبيراً. وها هي أحلام الممثّل الشاب، المولود عام 1981 في مدينة بلفور، شمال فرنسا، من أبوين مغربيّين، تتحقق بعد أقل من سنتين، بفضل الفرصة التي منحه إياها جاك أوديار في فيلم «نبي» حدث الدورة الحالية من مهرجان «كان».