فرح داغرعبّر المصريون عن شعورهم بالحزن بعد وفاة حفيد الرئيس حسني مبارك على طريقتهم الخاصة وأرسلوا البرقيات لرئاسة الجمهورية كأنّهم على علاقة مباشرة بأسرة الطفل الراحل. إعلامياً لم يبد الوضع مختلفاً. واست كل الصحف والمحطات الرئيس بمصابه الأليم، حتى أشد الكتّاب المعارضين للرئيس نشروا تعازيهم الحارة وفصلوا تماماً بين السياسة والموقف الإنساني العصيب الذي مر به مبارك.
لكنّ قيادات الصحف القومية، والقنوات الخاصة التي تخاف على مصالحها، رفعت شعار «ملكيين أكثر من الملك». وفي وقت لم تبث القنوات الحكومية القرآن بل اكتفت بعرض الأفلام الدينية والبرامج الوثائقية لأن الراحل لم يكن شخصيةً رسميةًَ، سبقت القنوات الخاصة الجميع وبثت آيات الذكر الحكيم لمدة يومين كاملين. ثم بعد انتهاء القرآن، تبارت في استضافة الدعاة للكلام عن «الصبر عن الشدائد وتقبّل قدر الله». وبدلاً من أن تنتقد الصحف المصرية هذا الأسلوب، لعبت على الوتر نفسه، واستخدمت مفردات واستنتاجات كادت تفسد حزن المصريين على الراحل الصغير. هناك مَن رأى في المناسبة استفتاءً جديداً على شعبية الرئيس مبارك، وحوّل حزن الشعب الصادق إلى بطاقات انتخابية تقول «نعم» للرئيس والحكومة حتى لو كان الخلاف على سياسات تلك الحكومة معلناً ومتكرراً يومياً.
وتوالت المبالغات في مقالات وتغطيات الصحف الحكومية، وخصوصاً «الجمهورية» و«أخبار اليوم». وهذه الأخيرة صدرت يوم السبت الماضي بعنوان «وتبقى مصر» ليظن بعضهم أنّ هناك خطراً هدّد البلد سراً، لكن يتضح أنّ العنوان هو لخبر مكوّن من 200 كلمة يؤكد أنّ الرئيس عاد لمتابعة نشاطه وتخطى حاجز الحزن الكبير، وأنّه «رغم مشاعر الحزن العميق وهول الفجيعة، كان قوياً ومتماسكاً. وهذه هي صفات القيادة ومسؤوليتها»، كما صرح صفوت الشريف رئيس «مجلس الشورى» للجريدة التي صدرت باللون الأسود واستبدلت الكاريكاتور الشهير في صدر الصفحة الأولى بآيات قرآنية. أمّا رئيس تحرير جريدة «الجمهورية» فكتب تحت عنوان «إنسوا أنّه الرئيس» مطالباً الناس بعدم القلق لغيابه بسبب الحزن، والتعامل مع الجد الذي فقد حفيده بعيداً عن حسابات السياسة. وفي اليوم التالي، كتب يؤكد أنّ الرئيس وعائلته في الجنة مع الحفيد الراحل «لقد اختار الله الجنة ونعيمها للرئيس مبارك وقرينته ولابنهما علاء وزوجته... والصابرون فقط من عباد الله يبشرهم الله بجنته في حياتهم ويرسل لهم بشارات ونذراً». ولم يختلف الوضع كثيراً في المطبوعات الأسبوعية، فخرجت مجلة «الإذاعة والتلفزيون» بغلاف يحمل صورة شهيرة لمبارك مع الحفيد عمرها عشر سنوات ومعها عنوان واحد هو «قلوبنا معك».
وسط كل هذا، نسي الجميع أن قناة «الجزيرة» القطرية انفردت بالخبر بعد ثلاث ساعات فقط من حدوثه، وبعدها بساعة بثت قناة «bbc العربية» الخبر نفسه. أمّا القنوات المصرية الحكومية والخاصة فلم تعلن الخبر إلا في الحادية عشرة من صباح اليوم التالي أي بعد 12 ساعة كاملة على خبر «الجزيرة».