المحطّة الرسميّة التي تحتفل بعيدها الخمسين، تعبّر خير تعبير عن الراهن اللبناني. أزمات ومحاولات خصخصة وإهمال. التلفزيون الذي مثّل ذاكرة للزمن الجميل ورموزه، بات اليوم حملاً ثقيلاً على الدولة
ليال حداد
«إنني ضدّ تلفزيون لبنان، ولم أؤيّد إعادة شراء الدولة لأسهمه وأعتبر هذا التلفزيون غير مجدٍ، كما لا نملك المال لمساعدتكم»، قد تكون هذه الجملة التي وجهها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يوم كان وزيراً للمالية لرئيس مجلس إدارة «تلفزيون لبنان» وقتها جان كلود بولس خير تعبير عن نظرة الدولة اللبنانية إلى المحطة الرسمية.
بدأت القصة قبل 50 عاماً بالتمام والكمال، عندما انطلقت أول محطّة في العالم العربي. هكذا بدأ البثّ التلفزيوني بواسطة «شركة التلفزيون اللبنانية» من منطقة تلة الخياط في بيروت في 28 أيار (مايو) 1959، وكانت تبثّ بلغتين: العربية على «القناة 7» والفرنسية على «القناة 9». وعام 1962 انطلق «تلفزيون لبنان والمشرق» من الحازمية في ما عرف وقتها بـ«القناة 11». لكن تردّي الأوضاع الاقتصادية ألزم دمج الشركتين في 1977 تحت اسم «تلفزيون لبنان».
هذا كان في البداية، أيام عزّ التلفزيون قبل أن تندلع الحرب الأهلية التي أدّت إلى موته تدريجاً وتحوّله إلى محطة تعيش على أمجادها وأرشيفها الكبير فقط. إذ وُزّعت التراخيص لإنشاء محطات وفق التركيبة الطائفية والسياسية، فحصلت كل طائفة على قناتها، رغم أن القانون كان يمنح «تلفزيون لبنان» حقاً حصرياً باستغلال كل القنوات حتى 2012.
قبل كلّ هذا التدهور الذي شهدته المحطة، مثّل «تلفزيون لبنان» مصدراً مهماً للإنتاج المحلي وتصدير النجوم. ورغم بساطة البرامج آنذاك، استطاعت أن تكوّن حالة جديدة، فكان «أبو ملحم» و«أبو سليم الطبل» و«الدنيي هيك» وغيرها من البرامج التي لمعت فيها أسماء مثل الراحلة ليلى كرم، وإبراهيم مرعشلي وهند أبي اللمع ومحمد شامل. ولا يزال أغلب هؤلاء الراحلين نجوماً على المحطة بسبب الإعادات المتكرّرة لهذه البرامج من دون أن تدفع الدولة مستحقات هذه الإعادات.
واستمرّ تدهور المحطة حتى آذار (مارس) 2001، حين قرّر مجلس الوزراء إقفال التلفزيون، وهو القرار الذي اعتبر مجحفاً بحق الموظفين. غير أنّ مصدراً في المحطة يؤكّد أنّ كلّ موظفي المحطة حصلوا على تعويض صرف مضاعف ثلاث مرات بسبب قانون عمل التلفزيون «وبعد شهرين عاد التلفزيون وفتح أبوابه، وعاد الموظفون أنفسهم إلى العمل» يقول المصدر.
وكما كان الواقع قبل إقفاله، كذلك كان بعد إعادة افتتاحه. علت الأصوات المطالبة بخصخصته، وكان آخر هذه المحاولات ما تقدّم به وزير الإعلام السابق شارل رزق الذي طالب بدمج «تلفزيون لبنان» و«الإذاعة اللبنانية» وخصخصتهما على أن يبقى للدولة ما يعرف بالسهم الذهبي الذي يبقي للدولة بعض السلطة في المحطة.
لكن قبل ذلك بسنوات، وقبل أن يعود رزق إلى السلطة، كان رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري قد أدرج المحطة الرسمية في كلّ مشاريع الخصخصة التي طرحها. وقد حصل ذلك بالفعل في بدايات 1993، أي في الأشهر الأولى من تسلّم الحريري حكومته الأولى، فاشترى 48 في المئة من أسهم المحطة، بواسطة شخص مقرّب منه هو وسام عز الدين. وتمهيداً لعملية الشراء هذه، أسّس عز الدين شركة إعلانية تتولّى موضوع إعلانات «تلفزيون لبنان».
وتطوّرت الأمور في العام 1994، حين تسرّبت أخبار عن رغبة الحريري بإقفال محطات التلفزة الخاصّة، لكن البلبلة وردّة فعل أصحاب المؤسسات الإعلامية، أدّت إلى صدور قرار يقضي بوقف البرامج الإخبارية والسياسية في كل المحطات الخاصة. وعلت وقتها الأصوات التي اتهمت الحريري بالسعي لإقفال كل التلفزيونات الخاصة، فيما بقي له وحده إمكان السيطرة على «تلفزيون لبنان». وفي أواسط تسعينيات القرن الماضي، اقترح مجلس الوزراء ممثلاً بالحريري فكرة إعادة شراء الدولة للحصص الخاصة، أي حصته هو، في المحطة الرسمية. وحصل ذلك، وكان المبلغ الذي اشترى فيه الحريري أسهمه هو 12 مليار ليرة، فيما أعاد بيعها للدولة بـ21 مليار ليرة، أي بفارق تسعة مليارات ليرة!
ولم تكن محاولة الحريري هذه يتيمة. في 2001، جرت محاولات في مجلس الوزراء أيام كان غازي العريضي وزيراً للإعلام، لتلزيم «تلفزيون لبنان» إلى رئيس مجلس إدارة «راديو وتلفزيون العرب» art الشيخ صالح كامل بموجب دفتر شروط، أقرّه مجلس الوزراء سابقاً. وكان كامل المتقدّم الوحيد لنيل عقد الالتزام. وأثار هذا التوجّه جملة انتقادات، منها أنّ تكتماً ساد الإعلان عن عقد التلزيم ليتم لمصلحة كامل، وأن غاية ART من الاستثمار هي استئجار المباني والمعدات للإفادة منها وتوفير نسبة من مصاريف استئجارها لمبان أخرى.
50 سنة مرّت على «تلفزيون لبنان» الذي تحوّل إلى شاشة تشبه كلّ مؤسسات الدولة. ورغم محاولات مجالس الوزراء المتتالية للتخلّص منه، لا يزال موجوداً ولا تزال عين الخصخصة عليه.


بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسه ينظّم «تلفزيون لبنان» حفلة إستقبال في مقرّ المحطة في الحازمية وذلك من السادسة حتى الثامنة من مساء اليوم، بحضور وزير الإعلام طارق متري.