مبدعون من الشتات التقوا في غاليري برلينيّة، بمبادرة من صلاح صولي، ليرووا بلغة الفنّ المعاصر، تجربة التمزّق بين الوطن الأم والبلد المضيف
سناء الخوري
من سيرة إدوارد سعيد «خارج المكان»، اتّخذ المعرض عنوانه. «خارج المكان ـــــ فنانون لبنانيّون في الشتات» الذي تستضيفه غاليري Kunstverein Tiergarten في برلين يضمّ أعمالاً من الفنّ المعاصر، بتوقيع فنانين (4 لبنانيين وسوري) مقيمين أساساً في الخارج. وقد بادر صلاح صولي (انطلاقاً من فكرة لخالد سبسبي) إلى تنظيم هذا الحدث الذي يجمع بين الفيديو والتصوير الفوتوغرافي والرسم والتجهيز: أعمال تروي مشوار الفقدان والاندماج الصعب، وكيفيّة التعايش بين الواقع الجديد وما تركه هؤلاء في بلدهم الأم من فُتات حياة وهويّة وأحلام. هؤلاء الشباب أعادوا صياغة المعاناة بأدواتهم الفنيّة، مستعيدين محطات على الطريق الذي سلكوه، عابرين بين فخاخ ازدواجيّة الهويّة والانتماء والاستشراق والأفكار المسبقة. إنّها حكاية المهاجر بين وطن تمزّقه الحرب والأزمات الاقتصاديّة، وبلدٍ مضيف يضعه أمام تحديات الاندماج الصعب تارةً والاستلاب تارةً أخرى.
«عبر المتوسط» عمل لصلاح صولي (1967، مقيم في برلين) يستعيد أسطورة إيكار، ويحيلنا، عبر تجهيز يجمع الرسم بالتصوير، إلى المهاجرين الأفارقة والعرب الذين يعبرون المتوسط نحو العالم الجديد. قمصان ممزقة تبدو كأنّها انتزعت من على أحد شواطئ الموت، وضعها صولي في إطارات، كأننا به يسخر بمرارة من أسطورة الهجرة التي باتت من أكبر مآسي العصر. البعدان السياسي والإنساني يختلطان في أعمال صولي. مسألة الهجرة حاضرة بقوّة، ومعها ومن خلالها الفروق الإثنية والثقافيّة، وكل ما يغذّي الأفكار المسبقة والانتفاضات الدامية أحياناً.
منيرة الصلح (1978، أمستردام/ بيروت) تبحث مسألة التشرّد الثقافي من خلال As i don›t fit here، وهو عمل فيديو صامت وساخر، يُظهر أربعة فنانين مهاجرين مفترضين، قرروا اعتزال الفنّ ويخبروننا عن مهنهم الجديدة. في هذا العمل، تطرح الصلح مسألة التحوّلات وما يرافقها من شكّ في حياة الفنان/ المهاجر. السوري فصيح كيسو (1959، ملبورن) يستخدم أدوات تراوح بين الديجيتال والفيديو في عمله Fresh Fish. يركِّز عمله على الجسد، وأثر التكنولوجيا وثقافتها المعاصرة على الإنسانيّة، وانعكاسات العولمة على الفن،ّ إضافةً إلى الشرخ الثقافي بين الشرق والغرب، من خلال كولاج يجمع بين أجواء لوحات دولاكروا الاستشراقيّة ومرايا العصر الحالي.
محمد سعيد بعلبكي (1974، برلين) يقدّم مجموعة لوحات زيتيّة نرى في إحداها متاريس القنّاصين تحتلّ كلّ مساحة اللوحة. التشكيلي اللبناني الذي ولد وعاش على خطوط التماس وفي ملاجئ المهجّرين، ينقل انطباعاته الخاصّة عن تلك المرحلة عبر رسم ملابس عسكريّة وحقائب مقطّعة. من جهته، يركّز خالد سبسبي (1975، سيدني) على الجانب الاقتصادي من حياة المهاجرين في المجتمعات الغربيّة، عبر تجهيز فيديو بعنوان Integration, Assimilation and a fair go for all.
إلى هذه الأعمال المركزية، تعرض أفلام وثائقية عن تيمة الهجرة والاندماج وتصادم الثقافات، بينها «برلين بيروت» (2004) لميرنا معكرون، و«مقدمة لنهايات جدال» (1990) لجايس سلوم وإيليا سليمان، «كان يا ما كان بيروت» (1995) و«دنيا» (2005) لجوسلين صعب، Le(s)banese (2008) لأليسار غزال، و«أن تكون أسامة» لمحمود قعبور وتيم شواب (2004)... واللافت أنّ كتيّب المعرض، أتى على شكل جواز سفر لبناني، طبعت على أغلفته الداخليّة شروط السفر، وخصصت صفحاته لتقديم الفنانين حسب الشكل المعتمد عادة في هذه الوثيقة. فكرة مبتكرة لمعرض يضعنا أمام حقل رؤية جديد لمسألة الاغتراب اللبناني، بكلّ صراعاته الواقعيّة وتمزقاته الاقتصاديّة والنفسيّة، بعيداً عن الخطاب الأجوف بشأن «هجرة الأدمغة».


حتى 13 حزيران (يونيو) ــ غاليري Kunstverein Tiergarten، برلين ـــ www.kunstverein-tiergarten.de