«إن هذا العمل الإرهابي يوضح على نحو لا لبس فيه الأخطار التي يمثّلها تفشّي ظاهرة الإرهاب التكفيري، التي تمثل تهديداً للاستقرار والأمن في كل أرجاء العالم، كما أنه يؤكّد مجدداً الحاجة إلى سياسات جادّة تؤدّي إلى تضافر جميع الجهود للقضاء على آفة الإرهاب». بهذه الكلمات دانت دمشق على لسان متحدث باسم وزارة الخارجية والمغتربين الهجوم الإرهابي على صحيفة «شارل إيبدو»، ليكون التصريح بمثابة باب فتح على مصراعيه ليجاهر الإعلام السوري بنظرية «الإرهاب سوف يرتد على داعميه». تلك النظرية وردت في الردّ الرسمي السوري، ومن ثم تبنّتها جميع المحطات الفضائية السورية، لتكون عنوانها العريض في النشرات الإخبارية، التي غطّت الحدث الأبرز، الذي هزّ باريس، وتردّدت أصداؤه في عواصم العالم.
بعد ذلك، تساءلت محطة «سما» في مقدّمة إحدى نشراتها الإخبارية عن الدولة الأوروبية التالية التي «سيلحقها إرهاب غذّاه الغرب ليبطش بالمنطقة، بعدما كانت فرنسا الضحية الأولى»، لتصل إلى خلاصة مفادها بأن «تركيا هي الدولة المقبلة التي ستكون على موعد قريب مع الإرهاب». أما السبب، فهو بسيط بحسب قناة «سما»، باعتمادها على كلام نسبته إلى أوميت أوزداغ رئيس «معهد تركيا القرن الواحد والعشرين»، الذي قال وفق الفضائية السورية إن «أكثر من 21 ألف تركي إانضموا إلى التنظيمات الإرهابية العاملة في سوريا، مثل داعش والنصرة». وأضافت القناة إنّ هؤلاء تلقّوا تدريبات من حكومة «حزب العدالة والتنمية»، إضافة إلى الدعم اللوجستي.
وختمت «سما» بالقول «المسبحة كرّت وسيصل البلّ إلى ذقن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، طال الزمان أو قصُر». وبالتزامن مع بثّ الأخبار المتوترة من فرنسا، راحت القناة السورية تعرض مقاطع للفيديوهات التي صوّرت الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة، إلى جانب بعض التصريحات لـ «المجاهدَين الفرنسيين»، اللذين انضما إلى «داعش» وظهرا في أكثر من محفل ليتوعّدا بقطع الرؤوس ونشر تعاليم دولة الخلافة. كذلك بشّرا إخوتهما المسلمين بأنّ «المجاهدين الفرنسيين سيتوالون تباعاً لنصرتهم». بعد ذلك، عرضت «سما» تقريراً مفاده بأنّ السلطات الفرنسية كانت تعرف أنّ الجهاديَين قد سافرا إلى اليمن وانتسبا إلى تنظيمات تكفيرية، ثم عادا إلى فرنسا فسمح لهما بالدخول من دون أيّ إشكالات! وحتى هذا التقرير لم ينس التذكير بأنّ بريطانيا وأميركا ستشربان من الكأس نفسها، بحسب من تبنّى العملية. من جهة أخرى، نبّهت قناة «الدنيا» من أنّ القوات الفرنسية رفعت درجة التأهّب إلى أقصى درجاتها ونشرت عشرات الآلاف من الجنود في أنحاء العاصمة، ونشرت دباباتها في الشوارع وحلّقت مروحياتها إثر هذا الاعتداء. وهنا تساءلت المحطة السورية «كيف لحكومة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن تنتقد السلطات السورية عندما واجهت المسلحين بالقوة؟». كذلك، عادت «الدنيا» وشنّت هجوماً كاسحاً على الرئيس الفرنسي، مشيرة إلى ِأنه «نفخ ليوقظ مارد الإرهاب من قمقمه ودعمه بسياسته، ومن الطبيعي أن تلوك فرنسا مرارة الإرهاب الذي غذته».
ولم تخف وجوه المذيعين السوريين تلميحات الشماتة لما تتعرّض له فرنسا من هجمات إرهابية، كأنّ هذا الأداء الإعلامي المتواضع يمثّل وجهاً آخر لنشاط مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين «هلّلوا لموت الصحافيين والرسامين الفرنسيين انتقاماً لخاتم المرسلين».