بيار أبي صعبلم يبق رصيف لمتنزّه، جنينة لعاشق، واحة أمان لعجوز يحلم بالزمن الجميل. بيروت مدينة غارقة في مستنقع معدنيّ هائل. شوارعها تفيض بالسيارات التي تكاد تصل إلى غرف النوم. والسيارة عضو حيوي تابع لجسد اللبناني: هو لا شيء من دونها، إذ يفقد اعتباره الاجتماعي ومعناه وقدرته على الوجود. السيارة أيضاً أداة قتل رمزي لكل ما ومن حول سائقها، لكن تلك مسألة أخرى. «المدينة صارت كاراجاً كبيراً»، قال سائق التاكسي متقدماً بحذر عبر ممر ضيق، هو كل ما بقي للسير من ذلك الشارع العريض. نعم المدينة تختنق، تحاصرها «همجيّة» هي من خصائلنا الوطنيّة: مزيج من الأنانيّة والعنف الدموي وقصر النظر وقلّة الأخلاق. نعم بيروت فيها من السيارات أضعاف قدرتها على الاستيعاب. وهي على حافة كارثة حقيقيّة، تفاديها يتطلّب حلولاً جذريّة وسريعة. لكن هل أحد تلك الحلول يكون التضحية بآخر الرئات الخضراء أمام الجراد الزاحف؟
«حديقة الصنائع» ستصبح مرأباً. قررت بلديّة بيروت! على خطوتين من كليّة الحقوق التي ننتظر بصبر أن تتحوّل «مكتبة وطنيّة»، يختزن المكان بعض ما بقي من أيام العيش الهني. أنشأها السلطان عبد الحميد قرب المدرسة المهنيّة للصنائع والفنون عام 1908، وشهدت منذ ذلك الوقت على تاريخ بيروت الصاخب. هنا أعدم إبراهيم طرّاف، ومنها استوحى روجيه عسّاف مسرحيّة شهيرة، وإليها لجأ الهاربون من نار الحقد الاسرائيلي صيف 2006. من ينقذ اليوم البركة الكبرى المشتاقة إلى بطّ أيام الخير؟ ونافورة الحميديّة التي تحمل بصمات يوسف أفندي أفتيموس؟ وأشجار الزعرور والكينا، والجَكَرَندا الذي يفلش هذه الأيام أزهاره البنفسجيّة؟... لماذا لا نطرد السيارات من بيروت؟