حسين بن حمزةاختار الشاعر المصري محمد سعد شحاته لديوانه عنوان «أيام عادية» (دار النهضة). أما القارئ، فينتبه إلى أن ما هو «عادي» لا يقتصر حضوره على العنوان فقط. العادي هنا ليس حكم قيمة أو استنتاجاً نقدياً مُبرماً بالطبع، بل هو مصطلح إجرائي مناسب للحديث عن عبارة الشاعر المقيمة في السرد العادي، والمستفيدة من خصائصه القصصية الشديدة النثرية. ثمة هجمة شعرية على السرد. بدأ ذلك في السبعينيات كاقتراح شعري مختلف، إلّا أنّه صار بيئة شبه وحيدة تلجأ إليها معظم التجارب الشابة. الإفراط في استثمار السرد هو الشائع اليوم. نادراً ما يذهب الشعراء إلى المعاجم الثقيلة، وقلّما تهمُّهم العبارات الدسمة والاستعارات والصور ذات الطبقات المتعددة. إنهم يفضِّلون غَرْفَ قصائدهم من الحياة اليومية التي تحدث لهم أو في جوارهم. ليس القصد أنهم يستسهلون ذلك، فالعبارة العادية البارعة قد تكون أكثر تعقيداً من عبارة كثيفة ومكتنزة بشعرية جاهزة.
من جهة أخرى، يكتسب الحديث عن السرد العادي، كخيار شعري أول، دلالة خاصة حين نكون بصدد تجارب مصرية راهنة. وهو ما نلاحظه في تجربة شحاته. نقرأ قصائده، فنحسّ أنّنا قرأنا هذه القصائد، أو ما يشبهها، في دواوين أخرى. ثمة مذاقات تتكرر، ومكوِّنات مستعملة. ما نقرأه هو قصص عادية. تفاصيل ومقاطع من حياة شخصية. سواءٌ كانت واقعية أو متخيلة. الفرق أن الشاعر عرَّضها لمونتاج شعري كي يكسر جزءاً من منطقها القصصي. الشعر يتحصَّل من هذا المونتاج، لكنّ هذه التقنية لم تعد واعدة بالكثير من المفاجآت. الجديد هو أن الشاعر يتبناها، ويسعى لتحويلها إلى إنجازٍ شعري شخصي. قد ينجح أحياناً لكنّ هذا النجاح يظلّ في حدود «العادي»، حتى إنَّ الشاعر لا ينتبه ـــــ أو لعلَّه لا يكترث ـــــ بتسرُّب الكثير من السرد الضحل إلى نصوصه. لنقرأ: «يا صديقي/ إذا سعى رجلٌ لامرأةٍ من خيال/ فهو يُكسبها وجودها/ تماماً/ كما تسعى نحلةٌ للرحيق/ أو وردةٌ لعطرها/ كنتَ تحمل وردتكَ/ كنت تمنحها عطرها/ كنت واقفاً على باب المطار/ لتسمع أن قرار وجودكما معاً/ لم يعد ممكناً». هذه لغة مفتقرة إلى أعماق يمكن المعنى أن يتجوَّل ويتماوج تحتها. الكلام ومعناه يطوفان على سطح الجمل هنا. نقرأ نصوص محمد سعد شحاته، ونقول لأنفسنا: يستطيع الشاعر أن يستخرج شعراً حقيقياً ومدهشاً من النثر... لكن ليس من أيّ نثر.