يتّهم جهاز الرقابة بمعاداة الإبداع وسام كنعان
الكاتب الذي كان يقتسم مع زملائه في «مسرح دمشق الجامعي» ثمن تذكرة الباص وعلبة السجائر، بات اليوم أكثر الكتّاب طلباً في المحطات الفضائية، وصاحب أعلى أجر بين كتّاب الدراما في سوريا. بعدما انتهت محطّة «أبو ظبي» أخيراً من عرض مسلسله «ممرات ضيقة»، ها هو يعكف اليوم على كتابة أربعة مسلسلات أوّلها «النوارس» الذي يتحدث عن بيئة أهله الساحلية في الأربعينيات من القرن الماضي، و«الزبّال» وهو تاريخي دمشقي، والجزء الثالث من «الحصرم الشامي»، إضافة إلى تجربة جديدة مع المخرج حاتم علي لا يريد الكشف عنها حالياً.
في سنوات قليلة، استطاع فؤاد حميرة أن يقف في مصاف أهمّ كتاب الدراما في سوريا والوطن العربي. لكنّ مجد الكاتب الذي صار مطلوباً من المحطات الفضائية، ليس حلمه، وإن كان ضمن مشروعه الفني الذي عمل عليه منذ سنوات الدراسة حين أطلقَ فرقة مسرحية خلال سنواته الجامعية، كان يكتب نصوص عروضها ويلعب دوراً رئيساً فيها.
جاء حميرة إلى عالم كتابة السيناريو بالمصادفة: «ذات يوم، وقع بين يدي كتاب اسمه «حوادث دمشق اليومية» لأحمد البديري الحلاق الدمشقي. قرأته وشعرتُ بأنهّ من واجبي أن أكتب عنه ولم تكن مادة صحافية تكفي لاستيفاء حقّه، فكتبتُ نصّ «الحصرم الشامي». قرأه الممثل المعروف سليم صبري وزوجته وأعجبا به كثيراً. هذا العمل هو ما خلق لي قبولاً في الوسط الفنّي. بعدها، كتبت «رجال تحت الطربوش»، فكان الجميع مهتماً بالقراءة وسارت الأمور نحو الأفضل».
يصرّ فؤاد حميرة على حلمه القديم بالتمثيل وتثيره النجومية كثيراً بل يغريه مشهد معجبة تطلب «أتوغراف» من أحد أبطال مسلسلاته. لكن ماذا لو صُدم بتصريحات ترى أنّ اسمه كاتباً يلفت الانتباه أكثر منه ممثّلاً؟ يردّ فؤاد «أنا أعمل في التمثيل لأسباب عدّة أولها ما تحدثتُ عنه من رغبتي في النجومية والاستعراض والشهرة. وهي حلم كل ممثل. وقد قدّمتُ أدواراً قليلة لأنني أحبّ التمثيل ومشروعي الأساسي هو التمثيل. ولا أرى أنّ أدواري تمر من دون أن تعلق في أذهان الناس. فقط تعرضت لمواقف عديدة محرجة بعدما لعبت شخصية أبو زيدان في مسلسل «غزلان في غابة الذئاب».
«غزلان في غابة الذئاب» أثار إشكاليةً كبيرة في الأوساط السورية، ولن يكون العمل الوحيد الذي يواجه مشكلة مع الرقابة بالنسبة إلى هذا الكاتب. حالة الصدام الرقابي صارت تقليداً يعرفه المشاهد جيداً عن فؤاد حميرة، إلى درجة ازدادت الشكوك بشأن نيّة حميرة خلق ذاك الصدام والبروباغندا لتحقيق النجاح المطلوب لدى عرض العمل. وهو الأمر الذي ينفيه الكاتب السوري. إذ تتضح خلال كلامه مدى العقبات التي صنعها له الرقيب وبدأت مع مسلسله الأول «الحصرم الشامي» الذي ظل حبيساً أدراج الرقابة خمس سنوات، ثم عاد ليتكرر الأمر بعمليات قص عشوائية في «غزلان في غابة الذئاب» ولم يفلت مسلسله الأخير «ممرات ضيقة» من تدخّلات الرقيب، ما دفع الكاتب إلى التبرّؤ من حلقته الأخيرة. «المشكلة هي عندما يفلت العمل من الرقابة الرسمية يعترض عليه بعض المسؤولين وهو ما حصل في «غزلان...». أما «الحصرم الشامي»، فكان سبب إيقاف العمل هو خلاف بين سلوم حداد وأحد أعضاء اللجنة الرقابية بعدما أشيع أنّ سلوم حداد هو مَن سيلعب دور البطولة فيه. ويضيف «لا قوانين تعمل بموجبها الرقابة السورية، وقد صرّحت مئات المرات بأن يقولوا لي ما هي الخطوط الحمراء حتى لا أقترب منها، لكنّ المشكلة أن ما يحكمنا هو مزاجية الرقيب، وقد وصلتني رسائل واضحة بأنّ إيقاف «ممرات ضيقة» هو درس تأديبي، فتخيّل أنّ لجنة الرقابة التي قرأت المسلسل أضافت مشاهد من خيالها، فقلبوا معنى العمل كاملاً وغيّروا كل النهايات؟ دعني أقلها علناً أنا بريء من حلقة المسلسل الأخيرة التي كانت ستسبّب لي جلطةً دماغية عندما عُرضت، حيث كُتب في نهاية المسلسل أنّ السجن هو المكان الأمثل للمجرمين! وأنا كنت أتحدث طوال العمل عن شخصيّات دخلت السجن ظلماً. الرقابة في سوريا بيد أشخاص أعداء للإبداع، ولم يسبق أن قدّم أحد العاملين في لجان الرقابة أي عمل إبداعي».


الأغلى ثمناً

ذات يوم، خرج فؤاد حميرة ليصرّح بأنّه سيجعل أجره أعلى من أجر أبطال مسلسلاته المميزين.
لكنه يؤكد أن ذلك مشروع جماعي يحتاج إلى وقفة واحدة من كل كتّاب الدراما المميّزين. وعلى الصعيد الفردي، فقد رفع حميرة سعر نصّه ليبلغ حوالى سبعين ألف دولار أميركي وهو أعلى أجر لكاتب دراما في سوريا. من جهة أخرى، يعتبر صاحب نص «الحصرم الشامي» أنّ أعمال البيئة الدمشقية كـ«باب الحارة»، حصدت متابعة مميزة، لكنّه يأخذ عليها تقديمها المجتمع الدمشقي من دون إظهار مثقف واحد، ومبالغة الممثلين في تجسيد الرجولة الدمشقية كأنّ الممثل الأكثر طلباً في العمل يكون دوماً مَن يفتح عينيه أكثر ومن يرفع صوته بطريقة مبالغ فيها.


مشاكل... درامية!