محمد خيركم من الجرائم يمكن الإنسان أن يرتكب إذا ضَمن عدم انكشافه؟ وبالمثل: كم من التجريح، والألفاظ القاسية، سيستخدم لو اختبأ خلف اسم مستعار؟ خدمة تعليق القراء على مواقع الصحف الإلكترونية، ظنّها الجميع، وخصوصاً الكتّاب، نعمةً. إذ تتيح لهم معرفة ردود فعل القراء ومَن هو الكاتب الأكثر إثارةً للجدل.
لكن يبدو أنّ الواقع الافتراضي يجلب حقائق «افتراضية» بدورها. المشاركات على الشبكة تبقى إشارةً ليست دقيقة، في ظل إمكان مشاركة المستخدم نفسه مراراً، لصنع رأي عام زائف، وخصوصاً أنّ الاسم المستعار الذي يستخدمه معظم المشاركين، قد يؤدي إلى ممارسة عنف لفظي غير مسبوق، بدأ بعض الكتّاب برفضه كما حصل أخيراً في القاهرة.
عندما بدأ بلال فضل نشر عمود يومي على صفحات «المصري اليوم»، فوجئ قرّاؤه بمنع خدمة التعليق على المقال. وبدلاً من ذلك، وضع الكاتب، ذو الجماهيرية الواسعة، بريده الإلكتروني مع عبارة «يستقبل الكاتب تعليقاتك على بريده الخاص».
أثار تصرف فضل دهشة قراء وإعلاميين أيضاً، ما دفعه إلى تفسير موقفه في لقاء مع جمهور مكتبة «بدران» قائلاً «يمكن القارئ أن يراسلني على بريدي الإلكتروني، لكني لست مضطراً لتحمل تعليقات بذيئة يطّلع عليها كل من يقرأ مقالي».
قد يكون تصرف فضل مبالغاً للبعض، لكنه يعبّر عن آخرين، بينهم صحافيون معروفون، وبعضهم طالب مسؤولي مواقع صحفهم، في صمت، بحذف تعليقات كثيرة. كما أن ثمة مواقع ذات رواج واسع، كـ«اليوم السابع»، اضطرت لوضع بروتوكول لـ«فلترة» التعليقات. إذ لوحظ تصاعد كبير في العنف اللفظي وترصّد لمعلّقين بعينهم ضد كتّاب بعينهم، ما رآه البعض تصفية حسابات من منافسين مفترضين!
هل تصعب، إلى هذا الحد، ممارسة الحرية في العالم العربي، ولو افتراضياً؟ إلى حد دعا كاتب آخر، غزير الشعبية أيضاً، هو الروائي أحمد خالد توفيق، وقد هاله العنف المحتدم في التعليقات العربية على الشبكة، إلى تشبيهها بمتلازمة «التوريت» العصبي الذي يدفع المصاب إلى اندفاع حركي ولفظي لا إرادي، فيتلفظ بشتائم بذيئة رغماً عنه.
وبغض النظر عن تقييم بادرة بلال فضل، فالملاحظ أنّ كثيرين مارسوا خطوته نفسها من دون إعلان، وبينهم، للغرابة، عدد كبير من المدوّنين الذين يعدّهم المجتمع رواد الإعلام البديل. اليوم أصبح شائعاً أن يراقب المدوّن التعليقات الواردة على مدوّنته. وفي حالات استثنائية، منع مدوّنون حتى مجرد الدخول وتصفّح مدوناتهم، إلا لزوار مدعوين فقط. إلا أن تلك الحالات لا تزال قليلة، حتى الآن! إنّ منع، أو أو فلترة التعليقات تظل في النهاية إجراءات تشبه أدوية الإنفلونزا، تخفف ولا تعالج. وقد يكون ذلك «الصراع» بين الكتّاب ومسؤولي المواقع من جهة، وبين كتاب التعليقات من جهة أخرى، موضع دراسة مستقبلية لعلماء الاجتماع، فمَن كان يتصور أن يتفوّق عنف المجتمع الافتراضي العربي، على عنف الشارع العربي؟