ليال حداديبدو أنّ العالم كان يحتاج إلى فيلم تحريك إسرائيلي من تسعين ثانية، ليدرك أنّ سكّان غزّة محاصرون من كل الجهات. هذا ما توحي به الحفاوة الإعلاميّة التي قوبل بها في الغرب، شريط «المنطقة المغلقة» الذي يحمل توقيع يوني غودمان. لم تبقَ محطّة إلّا واحتفت بهذا الشريط الذي قُدّم بصفته لفتة إنسانيّة من داخل إسرائيل إلى فلسطينيّي غزّة، كأن المطلوب أن ينسينا فظاعة الصورة التي شاهدها العالم إثر العدوان الإسرائيلي على القطاع. الشريط الذي صمّمه غودمان (المدير الفني لفيلم «فالس مع بشير») لمصلحة مركز «غيشا» أو «مسلك» الإسرائيلي (مركز الدفاع عن حرية الحركة)، لا يختلف عمّا نشاهده أحياناً لبعض الفنّانين «التقدميين» في إسرائيل. إنها محاولات نبيلة لـ«أنسنة الفلسطيني» بتعبير مخرجة العمل ساري باشي: «يجب أن يتذكّر العالم أنّ أهالي غزة من لحم ودم تتمنّى أن تعيش بكرامة...». وغودمان نفسه قال إنّ الفتى (بطل الشريط) مزيج من «الطفولة والنضج، ومن العرب واليهود... نموذج يستطيع الجميع التماهي معه... أتمنى أن يستطيع مشاهدو الشريط أن يخرجوا من ثنائية الخير والشرّ». ولد فلسطيني يخرج من منزله يلتقي عصفوراً ويقرّران التنقّل في القطاع. لكنّ يداً تقف في وجه الولد وتمنعه من إكمال طريقه، فيقرّر اللحاق بالعصفور صوب البحر... فتظهر اليد مجدداً لتعيده إلى القطاع. ثم يبدو معبر رفح وعلى رأسه العلمَان المصري والإسرائيلي. هل هناك من يسعه أن يخبر يوري غودمان أن العلم الإسرائيلي لم يعد على معبر رفح منذ 2005؟ هنا أيضاً تأتي اليد المصرية لتصدّ الولد بمؤازرة يد إسرائيلية. وفجأةً، تنطلق الصواريخ من القطاع تجاه المستوطنات الإسرائيلية لتردّ قوات الاحتلال بقصف عنيف على غزة. بغضّ النظر عن تبنّي الشريط للرواية الإسرائيليّة التي برّرت مجازر غزّة (صواريخ «حماس»)، فالطيبة المفرطة في التعاطف مع العربي الضحيّة، تبدو هنا مشروطة. صحيح أننا نشفق عليكم أيها المساكين، لكننا نريد أن يفهم العالم كم نتعذّب نحن أيضاً (راجع «فالس مع بشير»). صناع الشريط، كما «مناضلو» المركز الذي أنتجه، غير معنيين باتهام الاحتلال الإسرائيلي، ومطالبة حكومتهم بالكف عن سياساتها الوحشيّة. فالحق ليس تماماً، وليس فقط، على إسرائيل، في ما يعانيه أهل القطاع المحاصرين منذ سنوات. ومركز «غيشا» نفسه، في الدراسات التي يصدرها ـــ وآخرها «من يحمل مفاتيح معبر رفح؟» ـــ يساوي بين مسؤولية إسرائيل ومصر و«حماس» والسلطة الفلسطينية في حصار الغزاويين. يريد غودمان ومن ورائه «غيشا»، أن يتعاطف المشاهد مع الولد الفلسطيني ويغضب لإقفال المعابر... فقط. إذ يصعب إيجاد أهداف أبعد، وخصوصاً أنّ المركز يجاهر بطريقة عمله على موقعه. هو يتوجّه إلى «السلطات والمحاكم الإسرائيلية باسم أفراد ومؤسّسات انتُهكت (بصيغة المجهول) حقوقهم». مَن انتهكها؟ لا تسألوا «غيشا»!