Strong>رقص شرقي وغناء صوفي وطفل الحجارة صار «كمنجاتياً»ارتبط اسم جمعية «عِرَب» بالنتاج الفنيّ الشرقي من خلال إنتاج أسطوانات وتنظيم حفلات، ونشر كتب. وغداً، تنطلق الدورة الثالثة من مهرجانها «موسيقى ــ 3» مع الراقصة سهى ديب وتُختَتم مع... فرقة موسيقى الجيش اللبناني

بشير صفير
تبلورت في السنوات الأخيرة حالةٌ فنيةٌ تنظيميّةٌ أخرجت النشاط الموسيقي في لبنان من إطار الحفلات التي تبرمجها المهرجانات الصيفية العريقة. هذه الفسحة الإضافية من اللقاءات الحيّة مع فنّانين من مختلف الاتّجاهات وفّرتها شركات محلية منتِجة للتجارب الجادة في لبنان والوطن العربي، مثل «فوروورد» و«إنكوغنيتو»، أو بعثات ثقافية تابعة للسفارات الأجنبية (المراكز الثقافية)، أو جمعيّات مثل «عِرَب» التي ينطلق غداً مهرجانها السنوي في دورته الثالثة «موسيقى ـــــ 3».
«عِرَب» التي تُعنى بالموسيقى العربية الشرقية، أسّسها باسل قاسم وطوّرها حتى ارتبط اسمها بالنتاج الفنيّ الشرقي من خلال إنتاج و/ أو توزيع الأسطوانات (نصير شمّة، مروان عبادو، ريما خشيش، أحمد الخطيب، دنيا مسعود، سليم سحّاب...)، وتنظيم الحفلات، وحتى نشر الكتب («من الأرز إلى الهرم ـــــ المطربة نور الهدى» لأسعد مخّول). إلى جانب الحفلات المستقلة التي نظمتها لتوفيق فروخ وأحمد الخطيب ونصير شمّة، بدأت جمعية «عِرَب» مهرجانها الأول «موسيقى ـــــ 1» مع العلَم السوري حسن الحفّار شيخ الإنشاد، والفنان الفلسطيني مروان عبادو، والمغنّية اللبنانية ريما خشيش. في «موسيقى ـــــ 2»، عاد مروان وريما، وحضر إلى جانبهم عازف البيانو الشاب رامي خليفة.
ماذا ستقدّم لنا «عِرَب» إذاً في «موسيقى ـــــ 3»؟ مهما حاولنا التكهّن، لم يكن ليتبادر إلى أذهاننا محطتين (أقلّه) من أصل أربع في برنامج المهرجان، وهما: الافتتاح مع الراقصة سهى ديب والختام مع... فرقة موسيقى الجيش اللبناني. من جهة ثانية، وسّع المهرجان مروحته لتشمل اسمَيْن جديدَيْن، ليسا من «أهل بيت» الجمعية، هما: المغنّي السوري الصوفي بشار زرقان والفنان الفلسطيني رمزي أبو رضوانالراقصة اللبنانية سهى ديب، إذاً، هي التي تفتتح غداً برنامج «موسيقى ـــــ 3» بأمسيتَيْن متتاليتَيْن في «مسرح المدينة» (3 و4 نيسان/ أبريل الحالي). هذا الحدث يكتنف أهمية استثنائية، لما له من دور في إعادة الرقص الشرقي إلى مكانه الطبيعي: الفن. الرقص عموماً هو فنّ قائم بحد ذاته، له أصوله وأسراره ومحترفوه، والرقص الشرقي هو الشكل العربي له، رغم ارتباطه بمصر. مع الأسف انحرف هذا الفن في السنوات الأخيرة عن غايته الأساسية، كغيره من بعض الفنون العربية (على رأسها الأغنية الشعبية). هكذا يأتي هذا الحدث بعنوان «الرقص الشرقي الأصيل» ليعيد للتعبير بواسطة الجسد مكانته الراقية. سهى ديب يرافقها صبحي عبدو (غناء وعود) وفرقته المؤلفة من فهد حوّا (كمان)، محمد برفت (طبلة)، رامي يعسوب (رق وكاتم)، محمد حيدر (أكورديون)، كمال دقدوقي (قانون) ولبنان عون (ناي).
ثم يستضيف «موسيقى ـــــ 3» الفنان السوري بشار زرقان في أمسية وحيدة على خشبة «المدينة» أيضاً (10/4). إنّها محطة مع الغناء الصوفي. إذ يقدّم زرقان مجموعة من ألحانه لنصوص من شعر المتصوّفة (ابن الفارض، الحلاج، ابن عربي، أبي حيّان التوحيديّ...)، إضافة إلى قصائد لمحمود درويش. وترتكز الحفلة على أعمال كتبها زرقان منذ التسعينيات، وصدر معظمها في ألبومات، آخرها عمله الجديد الذي يحمل عنوان «حالي أنتَ»، ويرافقه الموسيقيون موفّق الذهبي وعماد مرسي (تشيلّو)، بشار جارور (قانون)، أمجد جرماني (ناي)، حسين سبسبه (عود)، جمال السقّا (إيقاع)، إضافة إلى كورالٍ يتألف من عمر السروجي وفادي السروجي ونبال ظريفة ومنال سمعا.
ومن شارع الحمرا البيروتي، ينقلنا مهرجان «موسيقى ـــ 3» إلى قصر الأونيسكو، ليستهلّ القسم الثاني من برنامجه الذي يضمّ أمسيتَيْن: الأولى للموسيقي الفلسطيني رمزي أبو رضوان (16/4) يليه مِسْك الختام مع فرقة موسيقى الجيش اللبناني بقيادة العقيد جورج حرّو (23/4).
كي نتذكّر رمزي أبو رضوان، لا بدّ من العودة إلى 1987، عندما التقطت عدسة أحد المصوّرين الصحافيين الكليشيه الشهير لفتى يواجه دباباتٍ إسرائيلية بُعَيْد انطلاق الانتفاضة الأولى في فلسطين المحتلة. عرفنا لاحقاً أن هذا الولد الشقيّ يُدعى رمزي أبو رضوان، وقد درس الموسيقى لاحقاً بعدما غادر إلى فرنسا، ليواصل المقاومة بوسائل أخرى. طفل الحجارة بات اليوم صاحب مشروعٍ موسيقي شامل، يبدأ من العزف على عددٍ من الآلات (بزق، عود، كمان، فيولا...)، ويمرّ في التأليف الموسيقي، وصولاً إلى «الكمنجاتي»: الجمعية غير الحكومية التي يسعى من خلالها إلى تعليم الموسيقى لأطفال فلسطينيين في مخيمات اللاجئين في لبنان كما في غزّة والضفة الغربية.
أصدر أبو رضوان ألبومات خاصة مع فرقته «دلعونة» التي ترافقه في حفلته البيروتية/ ويؤدّي أعمالاً من تأليفه وأخرى من التراث الفلسطيني. تضمّ الفرقة زياد بنيوسف (عود)، إدوين بوجيه (أكورديون)، محمد كرزون وسامي يعسوب (إيقاعات)، وعديّ خطيب (غناء).
أما الحدث اللافت ـــ والنادر ـــ في المهرجان، فهو مشاركة فرقة موسيقى الجيش التي تقدم أمسية واحدة نتناولها على انفراد في مقالة تلقي الضوء على تاريخ الفرقة وحاضرها ودوافع مشاركتها في إطار موسيقي غير عسكري.


«موسيقى ــــ 3»: من 3 حتى 23 نيسان (أبريل) الحالي ــــ 03/284715