لا توحي الحركة السينمائية اليوم بأنّ للسينما تاريخاً في لبنان، يبرّر كل محاولات التوثيق. حتى إلقاء نظرة إلى الأمس، الى الستينيات التي شهدت كميّة من الأفلام سببها غزو المنتجين المصريّين بعد تأميم السينما في المحروسة، يظهر أنّ الفن السابع اللبناني كان فاقداً للهوية، للمرآة التي تعكس طبيعة البلد وتركيبته وتحولاته الاجتماعية وما ينجم عنها. لكن محاولات التوثيق هذه أثبتت أنّه في موازاة كل مراحل النكسة التي مرّت بها السينما في لبنان، كان هناك من يعمل على إنتاج رؤية مختلفة إن أردنا أن لا نكرر مصطلح «مستقلة».يقدّم «نادي لكل الناس» الفيلم الوثائقي «السينما اللبنانية 60 وبعد» (45 د ــ تقديم جوليا قصار، سيناريو ظافر هنري عازار، وإشراف جورج البستاني من إنتاج وزارة الثقافة والتعليم العالي آنذاك). الشريط مادة من الأرشيف يُعتبر محاولة التوثيق الأولى لتاريخ السينما اللبنانية من خلال الصورة، أنتج عام 1996 في مناسبة مئوية السينما العالمية.

وفق ما يعرضه الفيلم، شهد لبنان افتتاح صالة السينما الأولى عام 1918 خلال الاحتلال الفرنسي. عرف أيضاً حركة سينمائية جعلته يحلّ ــ في مرحلة ما ــ مكان مصر في الإنتاج السينمائي، وأصبح قبلة المنتجين والمخرجين والممثلين العرب.
يتبنى الفيلم التقسيم الذي اعتمده النقّاد للمراحل التاريخية التي مرت بها السينما في لبنان، أي قبل الخمسينيات وبعدها. إلى جانب محاولته تأريخ جميع الأعمال والأسماء منذ «مغامرات الياس مبروك» (1929)، يعرض أيضاً الفيلم الأول الذي صوِّر في لبنان وفيلم «بائعة الورد» الذي حمل توقيع أول مخرج لبناني هو علي العريس، وصولاً إلى الأفلام العائدة إلى لبنان بعد إعلان انتهاء الحرب الأهلية. بدورها،
شهد افتتاح صالة السينما
الأولى عام 1918


شكلت هذه الأعمال صدمة ووعياً سينمائياً خاصّاً، انعكس وما زال على أغلب الأعمال الناجحة.
يقدم الفيلم نظرته النقدية على لسان جوليا قصّار، خصوصاً تجاه الأفلام التي انتجت لأغراض تجارية بحت. هو لا يقف عند حدود التوثيق والسرد التاريخي للإنتاجات والإنجازات، بل يلقي الضوء أيضاً على الأفلام الغنائية بشقيها الهابط الذي كان يروّج للعديد من الوجوه الغنائية الشعبية، وذلك الهادف مع تجربة سينما الرحابنة.
يستعرض الشريط أيضاً تجربة السينما والمرأة. يقارب كيفية تصوير المرأة في السينما اللبنانية، أكانت المرأة الجميلة الحرّة أو الحسناء المثيرة أو الأرملة أو الأم المفجوعة. كما يعرض تجربة المرأة اللبنانية في السينما مع أسماء كجوسلين صعب، وليلى عسّاف. الستينيات التي شهدت مرحلة من أفلام الكمية على حساب النوعية، كانت لها حسناتها أيضاً. هي كانت سبباً في فتح المزيد من شركات الإنتاج والاستديوهات واستقدام المزيد من المعدّات والتقنيات. وربما كانت المرحلة التي مهّدت لتوجّه لبنان إلى الصناعة المحلّية. وللستينيات أيضاً فضل في تكوّن ردة فعل على الإنتاج الخالي من المضمون، وبداية التوجه الى سينما أكثر جدّية. كانت هذه الإنتاجات بمثابة اختبار وتجربة كأغلب المحاولات السينمائية التي تشبهها قبل هذه الحقبة وبعدها. لا يخفي الفيلم حقيقة عدم نيل الأفلام التي قررت الابتعاد من السائد الإقبال الجماهيري مثل «الأجنحة المتكسرة» (1964) ليوسف معلوف وأخرى من إخراج أنطوان ريمي، وكاري كارابتيان وغيرهما.
يتوقف الفيلم سريعاً عند الحرب الأهلية، ونكسة السينما الثانية بعد نكستها الفنية في الستينيات. تعطّلت دورة الإنتاج وأقفلت المتاريس صالات العرض، لكن كان أيضاً للحرب سوق للإنتاج السينمائي الرخيص وجمهور لسينما الأكشن والعصابات. إلا أنّ هذه الحرب ستؤدي لاحقاً إلى تحوّل كبير في التوجّه السينمائي في لبنان، بعد الوعي الذي ستخلقه عند بعض المخرجين في الثمانينيات كبرهان علوية، ومارون بغدادي، ورفيق حجّار، وغيرهم وصولاً إلى المرحلة الأولى التي تلت وقف إطلاق النار النهائي.

* «السينما اللبنانية 60 وبعد»: 18:30 مساء الاثنين 19 كانون الثاني (يناير) ــ «مترو المدينة» (الحمرا ـ بيروت) ـ للاستعلام: 76/309363