محمود عبد الغنييقوم كتاب الناقد المغربي عبد الرحيم جيران «إدانة الأدب» («النجاح الجديدة» ـ الدار البيضاء ــ المغرب)، على مراجعة جذرية لمجمل الأفكار الواردة في كتاب «الأدب في خطر»، للناقد والمفكّر تزيفان تودوروف المتذمِّر من حال تدريس الأدب في المدارس الفرنسية. ليس تودوروف وحده على الساحة الفرنسية، في مسألة التنبيه إلى المأزق الذي يعيشه الأدب هناك، بل علينا ألا ننكر أنّ أصواتاً أخرى ارتفعَت مناديةً بإعادة النظر في قضايا تدريس الأدب في الثانويات الفرنسية. فقد نشر هيبرت برولونجو، في المجلة الفرنسية «علوم إنسانية» (عدد 482 ــ شباط /فبراير 2008)، مقالاً بالأهمية نفسها لكتاب تودوروف عنوانه: «كيف ندرس الأدب؟». لم يسلم المقال من مراجعة جيران. إذ اعتبره يفتقر إلى الوضوح التام، وأنّ أغلب الأسئلة المطروحة تبالغ في هجومها على الإسهامات السيميائية، ولا تذهب إلى صميم المشكلة الماثلة في النظام التعليمي برمته. وفي هذا الإطار، يتساءل جيران: «كيف لرجل (تودوروف) كان ينتمي إلى المجلس الوطني للبرامج، ويعدّ مسؤولاً عن الأهداف العامة المرسومة للتعليم طيلة المدة التي قُررت فيها البرامج الحالية، أن يوجه النقد إلى التوجهات الرسمية في تدريس الأدب؟ فلماذا لم يتخذ تودوروف، موقفاً حازماً من شيء كان مساهماً في بلورته. كان حريّاً به أن يقدم اعترافاً بأنه يتحمل جزئياً المسؤولية عمَّا يرى أنه مسيء إلى تدريس الأدب، بدلاً من أن يلوم النقّاد والأدباء».
المسألة الأخرى التي تسترعي الانتباه في كتاب تودوروف، هي أنّه يختزل وظيفة الأدب في خدمة مستقبل الأمة، انطلاقاً من فضاء المدرسة. ويختزل متلقّي الأدب في التلاميذ وفي الأجيال الجديدة. بل إن الأمر الخطير هو أنّ تودوروف يجعل من هذه الفئة، الهامّة بلا شك، معياراً يقاس عليه. إن اعتماد وضعية تدريس الأدب في الثانويات الفرنسية والحكم عليه هكذا: «الأدب في خطر»، ليس حجة لهذا الحكم لأنه يفتقر إلى الدقة والمنهجية. مدار تلقي النص الأدبي لا يمكن بأي حال حصره في «عيّنة تفتقر، من حيث طبيعتها، إلى أن تكون برهان صدق». إن اعتبار الأدب في خطر لأنّ طريقة تدريسه غير سليمة، مسألة مثيرة للسخرية. إذ إن تودوروف كوّن حكمه ذاك بناءً على انخفاض عدد الطلبة المسجلين في كليات الآداب في فرنسا من 30 إلى 10 في المئة، وهذا غير دقيق كلياً. لا يخفى على أحد أنّ الذين يتوجهون إلى دراسة الأدب هم مَن لم يسعفهم الحظ، أو من لا أمل لهم، في ولوج المؤسسات اللامعة التي تنتج النخبة الممسكة بزمام الأمور.
هذا إضافةً إلى الخلط بين دارس الأدب (التلميذ هنا) وبين القارئ الذي تنحصر مهمته في الاستمتاع بما يقرأ. يخلص عبد الرحيم جيران إلى أنّ كتاب تودوروف لم يحترم وحدة موضوعه ومجال دراسته. هو يراوح بين دياليكتيك الأدب وبين النقد الأدبي، وهما مجالان مختلفان. ما أدَّى إلى نتائج مرتبكة بشأن وضعية الأدب اليوم. لأنّ ما يصدق على هذا المستوى، لن يصدق على آخر، نظراً إلى تغيّر السياقات والأهداف. فاعتبار الناقد الأدبي مسؤولاً عن مأزق الأدب هو حكم غير دقيق لأن الناقد لا ينتج للمدرسة، بل ينتج لسياق علمي ومعرفي مختلف.