المثقّفة الفلسطينية شاركت في المداولات التي مهّدت لنشر آخر نصوص محمود درويش بعد رحيله. هنا روايتها، وردّها على رياض نجيب الريّس
سيرين حليلة
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، عُقد الاجتماع التأسيسي لـ«مؤسسة محمود درويش» بدعوة من ياسر عبد ربه لتهتمّ بإرث درويش المادي والمعنوي. لكن بعد تعذّر اجتماع أعضاء المؤسسة، أخذت «مجموعة مصغرة» من أهل درويش وأصدقائه على عاتقها هذه المسؤولية مرحلياً. وتألّفت من: أحمد درويش، مرسيل خليفة، غانم زريقات، إلياس خوري، علي حليلة والمحامي جواد بولص.
كان أمام المجموعة مهمة محددة: البحث عن الديوان الأخير لمحمود. فتح الياس وجواد درج المكتب ووجدا بعض الأوراق المكتوبة بخط اليد. في الليل، اجتمعنا في منزل علي لقراءتها بحضور وزيرة الثقافة الفلسطينية تهاني أبو دقة وأحمد عبد الرحمن. معظم القصائد لم تكن مكتملة، فيها خربشات وشطب. وبعد قراءتها، أصرّ غانم على أنّنا لم نجد الديوان بعد. ذهب مع أحمد في صباح اليوم التالي ليبحثوا عن الأوراق بهدوء، فوجدوا القصيدة الطويلة التي اتفق على تسميتها: «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي». وحين قرأناها، أحسسنا بأنّها القصيدة التي كان ينوي درويش وضعها في ديوانه الأخير. تم تصوير نسخ من القصائد: النسخة الأصلية بقيت في بيت محمود، نسخة مع علي حليلة، نسخة مع جواد بولص ونسخة مع إلياس خوري.
هكذا، اجتمعت المجموعة المصغّرة في بيت علي حليلة في 8 كانون الثاني/ يناير 2009، وحضرنا اللقاء أنا ورائد عصفور بدعوة من علي. بدا غانم بدايةً غير مرتاح. وبعدما قرأتُ المسوّدة، فهمت عدم ارتياحه. هناك إشكالية واضحة: بعض القصائد غير مكتملة، وبعضها لا تصلح للنشر، مع أنّ درويش كاتبها. وكلّ مَن يعرف محمود، يُدرك كم يقضي من الوقت في التحرير والكتابة وإعادة الكتابة، وقد يرمي أحياناً قصيدة بأكملها. كان رأي غانم، ووافقناه علي وأنا، أنّ الديوان يجب أن يشتمل على قصائد مختارة بمستوى دواوين درويش السابقة. غامرت وعبّرت عن هذا الرأي أمام المجموعة. إلا أنّ إلياس كان له رأيٌ مخالف يحمل الشرعية نفسها، واتفق معه في ذلك جواد بولص: مَن، سوى درويش نفسه، يحق له أن يقرر أنّ هذه القصيدة مكتملة أم لا؟ أو إذا كانت للنشر أم لا؟ لهذا، ارتأى إلياس أن تنشر القصائد، مكتملةً أو لا. تبنّى الجميع ذلك من منطلق أنّ لجمهور الشاعر الحق في الاطلاع على كلّ ما كتب. وهنا، اقترحت أن تُسمّى المجموعة «القصائد الأخيرة» لأنّها لا تمثّل ديواناً. فالديوان له أصول ويصدر بقرار من الشاعر. هكذا، اتُّفق على أن تصدر المجموعة بعنوان «القصائد الأخيرة» لا «الديوان الأخير»، مع توضيح حيثيات نشر المجموعة في مقدمة يضعها إلياس.
لم يكن رياض الريّس جزءاً من هذه العملية، لكنّه هو الناشر. وحين حمل إليه إلياس خوري النص وقرار النشر، لم يخفِ امتعاضه. لكنّه وقّع العقد لطباعة الكتاب بناءً على قرار المجموعة، ثم أتبع ذلك بسلسلة قرارات مناقضة لقرارات المجموعة، بلغت حدّ إعلانه إعادة طباعة الكتاب بسبب ما سمّاه «الأخطاء الفادحة الواردة فيه».
القرار الأول الذي اتّخذه كان تأجيل إصدار الكتاب إلى ما بعد تاريخ عيد ميلاد درويش، فيما اتفقت المجموعة على تاريخ 13/3. ثم أصدره بعنوان «الديوان الأخير»، وبهذا أعطى انطباعاً بأنّه مثل الدواوين الأخرى التي قدمها له درويش شخصيّاً. وهذا خطأ له تبعات كبيرة مثل تلك التي قرأناها على لسان شوقي بزيع. مقال بزيع يغفل حقيقةً أساسية، ربما أراد الريّس إخفاءها، وهي أنّ الكتاب عبارة عن مجموع القصائد التي وجدناها في منزل درويش، من دون تعديل، سوى تلك التي ذكرها إلياس في ما كان «مقدمة الكتاب»، وأصبح بقرار من الريّس «كتاباً منفصلاً».
يحدونا الأمل، وهنا يضمّ صوته إليّ رائد عصفور وغانم زريقات وعلي حليلة، بأن يعاد إصدار «القصائد الأخيرة» لمحمود بالشكل الذي قدّمه إلياس خوري للناشر، لأنّ القصائد نشرت فقط لتكون شاهداً على آخر عمل للشاعر من دون تعديل جوهري. هذا ما قام به خوري وشرحه في المقدمة، وللأمانة الأدبية هذا ما يجب أن يكون.