رمضان هو موعد إحصاء الخسائر: هوليوود الشرق ليست بخير وموزّعو السوق الخليجية يفاوضون على سعر الفيلم، والدراما تشهد أزمةَ تسويق، والشاشة الصغيرة تناضل في غياب المعلنين
محمد عبد الرحمن
رغم أنّ التصريحات المتكرّرة للمسؤولين في الحكومة المصريّة أكّدت أنّ مصر قادرة على تجاوز الأزمة المالية العالمية، فإنّ العاملين في الوسط الفني والإعلامي المصري كانوا أكثر صراحةً. إذ أعلنوا ـــ وفي توقيت مبكر جداً ـــ أنّ الأزمة داهمت بالفعل السوق الفنّية في مصر وبدأت آثارها بالظهور لكن مع توقّع تأثيرات أكبر في موسم الصيف، وخصوصاً مع حلول شهر رمضان. هذه الصراحة أطلقت سلسلة من اللقاءات والحوارت المتبادلة بين كل الأطراف هدفت أولاً إلى رصد التأثيرات السلبية، ثم اكتشاف وسائل التخفيف من توابع زلزال الاقتصاد العالمي، الذي أصاب الجميع من دون استثناء حتى لو رأى بعض رجال الحكومة المصرية عكس ذلك.
صحيح أنّ بعض اللاعبين في الوسط الفني المصري يرفضون الاعتراف بالتأثير الكامل للأزمة ـــ شركة «روتانا» (راجع المقال أدناه) ومدينة الإنتاج الإعلامي على سبيل المثال ـــ إلّا أنّ تصريحات معظم رموز السوق أمثال محمد حسن رمزي وممدوح الليثي وغيرهما أكّدت أن الوقت لم يعد مناسباً للتفاؤل.
وكما تتصدّر السينما دائماً قائمة الفنون المهمّة في هوليوود الشرق، كانت الشاشة الكبيرة صاحبة النصيب الأكبر من القلق والرغبة في تقليل حجم الخسائر. إذ إنّ العام الماضي انتهى بتأكيد صحوة السينما في مصر من خلال عرض 48 فيلماً طوال 2008 وتوقّعات بأن يصل الرقم إلى 60 في العام الجديد. لكنّ الأزمة الماليّة كان لها رأي آخر. المؤشرات حتى الآن تؤكد أنّ 2009 قد يشهد تصوير 30 فيلماً فقط، مع الإشارة إلى أنّ معظم الأفلام التي عُرضت في الشهور الثلاثة الأولى من العام هي من إنتاج العام الماضي. ما يعني أنّ معدل العرض قد يتراجع قليلاً، لكنّ المشكلة تكمن في معدلات تصوير أفلام جديدة، أي أن الأزمة مستمرة حتى 2010 الذي سيشهد مزيداً من التراجع في عرض الأفلام هكذا، بدأ نزاعٌ تأخر طويلاً بين المنتجين والنجوم بشأن أهمية خفض أجورهم أو المشاركة في تحمّل مخاطرة الربح والخسارة وهو ما رفضه محمد سعد على سبيل المثال. إذ عرض عليه المنتج وائل عبد الله الحصول على خمسة ملايين جنيه (مليون دولار تقريباً) مقابل بطولة فيلم جديد للحاق بموسم الصيف، على أن يحصل على نسبة من شبّاك التذاكر. إلا أنّ سعد تمسّك بأجره الذي حصل عليه في آخر أفلامه وهو 13 مليون جنيه (حوالى مليونين وخمسمئة ألف دولار) وإذا استمر على هذا الموقف فسيخرج تماماً من خطط المرحلة المقبلة. وهو ما تفاداه عادل إمام وكريم عبد العزيز وأحمد السقا وأبطال فيلم «دكان شحاتة» لأنّهم اتفقوا على أجورهم قبل الأزمة، وإن كان قد تردد أن إمام توقف لفترة عن تصوير فيلم «بوبوس» بسبب عدم تلقيه دفعة من مستحقاته في الموعد المحدد. لكنّ الشركة المنتجة نفت ذلك وربطت غياب عادل إمام عن البلاتوهات بمشكلة صحية عارضة، وأنه حصل على الدفعة في موعدها وقيمتها 100 ألف دولار. رغم ذلك، فإنّ المنتجين ـــ حتى لو اضطروا إلى الاذعان لطلبات النجوم ـــ سيكونون مطالبين بخفض كلفة الإنتاج. وتحاول غرفة صناعة السينما حالياً إقناع الفنيّين من مصوّرين ومهندسي ديكور وغيرهم على بخففض أجورهم بين 30 إلى 40 في المئة في المرحلة الحالية لضمان عدم توقف عجلة الإنتاج تدريجياً، مع ضغوط كبيرة على الممثلين لخفض مصاريفهم الإضافية، وخصوصاً في ما يتعلق بالمساعدين. إذ إنّ بعض الفنّانين يعمل معهم ثلاثة مساعدين ويطلبون أجورهم من ميزانية الفيلم لا من أجر الممثل. على خط موازٍ، جاء إعلان ممدوح الليثي ـــ بصفته مديراً لجهاز السينما ـــ عن خفض كلفة المونتاج والتصوير في المعامل والبلاتوهات التابعة للجهاز بنسبة 10 في المئة بمثابة تأكيد على عمق الأزمة، وحاجة المنتجين إلى المعامل المصرية بعدما أصبح السفر إلى الخارج ترفاً في المرحلة الحالية. وفي كل الأحوال، لن يخرج الإنتاج السينمائي المصري في العام الحالي عن نوعين: إما أفلام كبار النجوم التي لن تزيد على عشرة لأنّ كل نجم يصوّر شريطاً واحداً. وهي الأفلام التي ستكون مضمونة بعض الشيء في التسويق، أو أفلام بطولات جماعية متوسطة الكلفة. وطاردت فيلم «أولاد العم» شائعات متعددة حول تغيير في جداول التصوير لتوفير نفقات التواجد في جنوب أفريقيا، وقيام المنتج محمد حسن رمزي بمطالبة المخرج شريف عرفة بالعودة سريعاً لاستكمال التصوير الخارجي في سوريا. لكن أسرة الفيلم نفت الشائعات قبل أن ينطلق خبر يفيد بأنّ التصوير توقف لأسباب أمنية لا مادية بسبب اعتراض جهات أمنية على قصة الفيلم الذي يجمع كريم عبد العزيز مع منى زكي وشريف منير.
وما زاد الأمر سوءاً تأكيد كبار الموزّعين في السوق الخليجية عدم شراء الفيلم المصري بأسعار العام الماضي وخفض السعر بنسبة 40 في المئة، والاكتفاء بشراء أفلام النجوم فقط. واكتملت الصورة السلبية بتأكيد المسؤولين في شبكة art وقنوات «روتانا» عدم إمكان شراء العدد نفسه من الأفلام وبالقيمة نفسها هذا العام. وجاء إعلان قناة «روتانا» عن عرضٍ أوّل لفيلمَي «كباريه» و«الريس عمر حرب» هذا الشهر تأكيداً للأزمة. إذ إنّ القناة فضّلت الحصول على العرض الحصري قبل art لأنّها بذلك ستضمن انتعاشاً لشاشتها وجذباً للمعلنين الذين انسحبوا، بدلاً من بيع الفيلم أولاً للشبكة المشفّرة بمبلغ قد لا يوازي ما ستحصّله القناة من إعلانات لو عرضت الأفلام نفسها على شاشتها مباشرةً. ويجب الأخذ في الاعتبار هنا أنّها المرة الأولى التي تعرض فيها أفلام نجحت في السينما على شاشة التلفزيون قبل مرور عام كامل على خروجها من دور العرض، وهي أيضاً المرة الأولى التي تتنازل فيها «روتانا» عن دخل العرض المشفَّر. بمعنى أنّ تلك الأفلام مِلك لـ«روتانا» منذ البداية، لكنّها كانت تبيعها لـ art لعرضها مشفّرةً أوّلاً بسبب عدم توافر منافسة في هذا المجال بين الشبكتين، ثم تعرضها لاحقاً كعرض مفتوح على «روتانا سينما».
أما الخاسر الأكبر في كل ما سبق، فستكون دور العرض المصرية التي شهدت صحوةً كبيرةً الآونةَ الأخيرة، وارتفع ثمن التذكرة في صالات الدرجة الأولى إلى ستّة دولارات. لكنّ تلك الصالات قد لا تجد أفلاماً كافيةً لعرضها هذا العام، ما يهدّد بعضها بالتوقف. من جهة أخرى، تردّد عن توافر نيّة حقيقية للعودة إلى أسعار التذاكر القديمة أي أربعة دولارات للشخص الواحد في صالات الدرجة الأولى.

المسلسلات تعاني

الوضع على مستوى المسلسلات ليس أفضل في كل الأحوال. لكنّ حسابات المكسب والخسارة لن تتضح إلا قبيل انطلاق شهر رمضان، إذ إنّ الفضائيات لم تحدّد مواقفها حتى الآن، وما يتردّد في السوق أنّ التسويق سيكون متاحاً في حالتين لا ثالثة لهما: أولاً مسلسلات الأسماء الكبيرة وهي حتى الآن أعمال ليحيى الفخراني ونور الشريف وليلى علوي والهام شاهين ونبيلة عبيد بالإضافة إلى يسرا التي تستعد لدخول السباق، ثم المسلسلات التي ستكون متاحة لكل القنوات، وخصوصاً «السيت كوم» مثل «تامر وشوقية» و«راجل وست ستات» و«العيادة». بمعنى أنّ المنتجين سيكونون مجبرين على البيع لأكثر من قناة بأسعار متوسطة لضمان تحقيق ولو رأسَ المال في رمضان حتى يبدأ جني الأرباح من إعادة البيع لقنوات أخرى بعد الشهر الكريم. وما هو ثابت حالياً في السوق الدرامية المصرية أنّ الأجور لم ترتفع عن العام الماضي عكس المعتاد رغم ما يتردّد عن أجور مبالغ فيها لأسماء بعينها أمثال سمية الخشاب وغادة عادل. لكنّ منتجي الدراما هم أكثر قدرة على مواجهة النجوم على عكس السينما. كما يُتوقع ألا يزيد إنتاج الدراما المصرية عن 40 مسلسلاً بعدما تخطّى الإنتاج حاجز الخمسين العام الماضي، مع الأخذ في الاعتبار أنّ نسبة لا تقل عن 30 في المئة من تلك المسلسلات هي من إنتاج شركات حكومية مثل «صوت القاهرة» وتسوَّق لقنوات تابعة للتلفزيون المصري وتكون خاليةً من النجوم المعروفين. وجاء التأجيل الجديد لتصوير مسلسل «مدّاح القمر» بعد إعلان سيد حلمي رئيس مدينة الإنتاج أنّ التصوير سيبدأ يوم 21 آذار (مارس) الماضي، ليؤكد أزمة السيولة التي تواجه المدينة في الأعمال التي تنتجها مباشرة. وبهذا التأجيل، يخرج المسلسل رسمياً من سباق رمضان 2009. وهو ما سيتكرّر مع مسلسلات أخرى عديدة إذا لم يبدأ تصويرها قبل منتصف هذا الشهر. وكان أبطال مسلسل «بشرى سارة» لميرفت أمين قد أكدوا توقّف التصوير أكثر من مرة بسبب عدم توافر السيولة الكافية لأنّ الشركة المنتجة مهتمة بإنهاء مسلسل «هانم بنت باشا» لضمان تسويقه باكراً مع عدم القدرة على التوازن بين العملين.

... والفنّ أيضاً (والغناء)

على مستوى الغناء، لا يمكن القول إنّ الأزمة المالية ضربت الشركات المصرية لأنّها من الأساس تعمل في ظروف عصيبة منذ سيطرة القراصنة على سوق الكاسيت. لكن التأثير بدأ يظهر على قنوات الغناء التي تعاني قلة الإعلانات بسبب الظروف التي تواجه الشركات الكبرى، وخصوصاً في مجال الاتصالات وعالم البنوك. ما يعني تراجعاً حاداً في دخل تلك القنوات، بالتالي باتت شبكة قنوات «ميلودي» التابعة لجمال مروان، و»مزيكا» التابعة لمحسن جابر في حاجة إلى المزيد من الأفكار الجديدة وغير المكلفة بهد الصمود أمام الأزمة، خصوصاً بعدما فاجئت «روتانا» الجميع بعودتها القوية واستعادة قدرتها على جذب النجوم من الشركات المنافسة لها داخل مصر.
كذلك أدّى إحجام الشركات عن رعاية الحفلات الجماهيرية إلى اقتصار تلك الحفلات على المناسبات العامة فقط. ما يعني الحسم من رصيد المطربين والمطربات الذين اعتادوا إحياء حفلات عدّة كل شهر، وهو ما سيوثر أيضاً في عدد الكليبات التي يجري تصويرها على نفقة هؤلاء المطربين، أو على الأقلّ سيحسم من المستوى الفني لهذه الكليبات.

تأثّر غير مباشر

ويبقى السؤال الأخير: هل توقّفت عجلة الإنتاج في الفضائيات المصرية والعربية بسبب الأزمة المالية؟ الإجابة المباشرة هي لا، لكنّها بالطبع تأثرت وستتأثر مباشرةً عندما يقترب شهر رمضان. رغم ذلك، يمكن التعامل مع كل قناة بطريقة منفصلة: إدارة otv المصرية اعترفت بالأزمة وبأنّها قلّصت حجم إنتاجها البرامجي في المرحلة المقبلة، بينما لا تبدو محطّة «الحياة» متأثرةً تأثّراً كبيراً، العاملون في القناة يؤكدون أنّ الأجور لم تعد كما كانت، لكنّ شراء مسلسلات رمضان بدأ بالفعل، والبرامج الجديدة مستمرّة بل وصلت إلى الأرجنتين، حيث يصوّر حالياً برنامج «أرض الخوف». وهو ما يؤكد أنّ القناة تتمتّع بالفعل بأعلى مستوى إنفاق بين القنوات المصرية. أمّا في ما يتعلّق بـ «دريم» و«المحور» فمعدل الإنتاج لم يزِد قبل الأزمة كي يقلّ بعدها، وشراء مسلسلات رمضان مستمرّ. لكنّ التفاوض على الأسعار سيكون أشد من الأعوام السابقة، والاهتمام سيتركّز على الكيف لا بالكمية. داخل التلفزيون المصري الميزانيات التي رصدت للتطوير لا تزال متاحة. لكنّ الموقف سيكون سيئاً إذا لم يعوّض التطوير حجم الإنفاق من خلال الإعلانات. وقتها، ستتراجع الشاشة من جديد وهو ما ينطبق أيضاً على شبكة تلفزيون «النيل». إذ إنّ قنوات «نايل كوميدي» و«نايل سينما» على سبيل المثال لا تزال تعاني نقصاً كبيراً في الإعلانات. ما يهدّد استمرار قوة الدفع التي تتمتع بها تلك الشاشات في الآونة الأخيرة، ما سبق ينطبق على كل الفضائيات العربية الخاصة التي سيتحدد موقفها وفق قدرة أصحابها على ضخ الأموال التي تُعين الشاشة على الاستمرار كما هي من دون انتظار أموال المعلنين.