قدّمت الفنّانة الشابة معرضها الشخصي الأوّل في بيروت، بعنوان: «الطبيعة والذاكرة الجماعيّة». أعمال توثّق لذاكرة البلد التي تتغير تبعاً للظروف السياسية
نوال العلي
لا تستثني ريما صعب (1968) جدران بيروت من الطبيعة. إنّها تبحث في المعرض الذي يختتم اليوم في بيروت (غاليري L'Ébéniste، فضاء كتّانة ــــ كونيغ)، عن علاقة بين الطبيعة والذاكرة. الفنانة اللبنانيّة الشابة التي تمارس التشكيل والتصوير والفيديو، شاركت في معارض جماعيّة محليّة وعالميّة، إلّا أنّ «الطبيعة والذاكرة الجماعيّة» هو معرضها الشخصي الأوّل الذي ضمّ 31 عملاً أُنجزت خلال 2005 ـــــ 2009. وبشكل مواز، تشارك في معرض جماعي في تورينو ــــ إيطاليا، حول ثيمة رئيسة هي «جدران بيروت».
حيطان لبنان التي تتغير تاريخياً تبعاً للظروف السياسية، تتحول إلى ملصقات ضخمة لتيارات وأيديولوجيات. تقول ريما: «كأنّ هذه الجدران هي متحفنا الوطني». وهذا ما يظهر في أعمالها الصغيرة المصوغة بطريقة Digital media في القسم الخاص بلوحات الـphoto collage. وهي مجموعة صور فوتوغرافية رسمت صعب عليها ثم أعادت طبعها لتبدو كالحة تقادم عليها الوقت، وتراكمت الكتابة فوق الأخرى. وهذا الوصف ينطبق على أعمال مثل «حوار وطني» الذي قدمته في 2006 وعرضته في «شكوك وآمال» الذي أقيم في بيروت قبل شهور قليلة. «أريد أن أظهر جماليات منسيّة، جمالية الزمن والغبار المتصدع، جمالية النقصان، وجمالية العيش المشترك بصعوبة». ويجسد العمل المدينة التي توثّق يومياتها على بناياتها، وفيه نوافذ موصدة بخشب متهالك. أمّا قوة التعبير كلها، فتكمن في الكتابة بالأحمر.
أمّا الجزء الثاني من المعرض، فيضمّ مجموعة لوحات تستخدم فيها صعب تقنية المواد المختلطة. وهي أعمال تعيد فيها صعب الاعتبار إلى رسم الطبيعة الصامتة، بعدما بات رسم المناظر الطبيعية في عداد الفن التجاري.
أمام مفهوم خاص للطبيعة، من جبال حملايا حتى وادي البقاع، يجد المرء نفسه في «روح الغابات» فعلاً. لوحة Himalaya مقسَّمة إلى أربع قطع نُقشت عليها كلمات باللغة السنسكريتية. إنها كتابة على فراغ الأفق تماثل الكتابة على الجدران. وهي رغبة في العيش المشترك والجمالي مع أشياء العالم، وموجوداته المتحقّقة في الشجرة واللغات المنقرضة والندى والضباب الخفيف والحشائش التي تهتم الفنانة بإبرازها. كل ذلك حاضر بالألوان كلّها، أنت لن تفتقد لوناً في أعمال صعب.
ولا بد من التوقف مطولاً عند الغابة الأرجوانية في اللوحة الأكبر حجماً في المعرض، والمعنونة «نزهة» رُسمت بالزيت والإكريليك على الكانفاس. محتويات هذا الحرج ليست الطبيعة فقط، بل أثر الإنسان المتروك بعد نزهة فيها. لننظر إلى أسطوانة الغاز بلونها الأزرق اللافت وسط هذا التلوّن البرتقالي والأحمر الذي سبّبه المغيب ربما. هناك علب «بيبسي» ومقاعد محطمة وبطارية سيارة ملقاة. ولتؤكد صعب على سحر المكان، تضيف لوناً فضياً براقاً إلى جذوع الأشجار البعيدة.
ويتغيّر المزاج اللوني للوحات حتى لو كانت تخص محتوى الأرض نفسها. في لوحة «المنارة»، ترسم ريما بتعبير مختلف تماماً. التجريد هو الأساس، ثمة نسيج لوني غني متدرج بين الأزرق والأزرق المخضر والأخضر والرمادي. فيما تبدو ريشة صعب في لوحة «كفريا» كأنّها تلتقط مقطعاً سفلياً من الغاب، كما لو أنّ كاميرا ملقاة بين الحشائش، فتبدو الأوراق والأعشاب ضخمة وبعيدة، وهي تعطي خصوصية لونيّة للطبيعة في كل مكان.
الطبيعة التي تراجعت كمضمون بين مضامين الفن المعاصر والفنون التشكيلية على اعتبار أنها «دقة قديمة»، تعود في محاولة الفنانة لبناء علاقة من «الشكوك والآمال» (عنوان إحدى اللوحات) بين الانتماء إلى هويّة مكان والتعبير عنه باللغة البصرية. وهي بتعدد البقاع التي ترسمها، تنتهز الفرصة الفنيّة في الحصول على هويّة كونيّة.


غاليري L'Ébéniste، فضاء كتّانة ــــ كونيغ، مركز جيفينور، Bloc E، (بيروت) : 01/738706