بيار أبي صعب هناك كتب تستفزّك، لكنّك تجد نفسك مشدوداً إليها بخيط خفيّ. «في البحث عن المستقبل» (الساقي)، آخر إصدارات كريم مروّة، يندرج في تلك الفئة. ما يشدّك إليه ليس «احترام الفكر الآخر»، والبحث فيه عمّا قد يجعلك تعيد النظر بخياراتك، أو يحفّزك على النقاش. السبب أكثر حميميّة: بين طيّات الكتاب تلتقي بنفسك، تكاد تمسك بلغتك وقيمك... قبل أن تكتشف فجأةً أنّك في أرض غريبة، موحشة، لعلّها «المستقبل».
«الكاتب السياسي ذو التاريخ الشيوعي»، كما يعرّف بنفسه اليوم، لم يتخلّ عن ثوابته. هذا ما يشرحه لمحاورته المغربيّة مريم سيدي حيدة، على امتداد حديث طويل تَقمّش مع السنوات. الأزمنة تغيّرت، وبعض الأفكار شاخ، أو بات تطبيقه مختلفاً، لكن قيم التقدّم والتغيير والحريّة ما زالت راهنة، يشرح لنا «اليساري المستقلّ» الذي لا ينفكّ يراجع التجربة الشيوعيّة، محيلاً إلى تاريخه ـــ سبق أن رواه لصقر أبو فخر في «ما يشبه السيرة» («المدى» ـــ 2002) ـــ من بيت الشيخ أحمد إلى الخيارات الثوريّة والماديّة التاريخيّة.
أما المشكلة اليوم، بحسب الكاتب الماركسي الذي يكاد يعتبر جلال الطالباني سداً في وجه الاحتلال الأميركي، فهي إيران التي «تستخدم لبنان ساحة صراع مع خصومها»... وحزب الله، لأنّه «عائق» بوجه بناء دولة القانون والمؤسسات، والمجتمع المدني التعدّدي والديموقراطيّة، إلخ. مستويان يتقاطعان باستمرار في الكتاب: قراءة نقديّة لتجربة غنيّة حافلة بالأحلام والإخفاقات، هي حكاية جيل ومرحلة، وتوصيف اختزالي متسرّع للصراع الدائر في لبنان والمنطقة. المشكلة أن المستويين متداخلان، وأن القارئ عادةً لا يمكنه أن يعيد ترتيب محتويات كتابه.