وجد الفنانون الشباب صعوبةً كبيرة في تخيّل مدينتهم بيروت وموضوع فنّهم الأساسي، وقد مرّ عليها التاريخ الحديث بلا أهوال الحرب الأهليّة. كذلك، كانت حال أعمالهم السابقة في غالبيتها، إذ ما كان لها أن تتحقق لولا «فضل» الحرب. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أنّ الموضوع قد استنزفهم وليس العكس بصحيح. أعمالهم الفنيّة المقبلة أيضاً ما زالت تستعين بالحرب على الفنّ. أليست الحرب منجماً للثيمات الفنيّة بهذا المعنى؟ هؤلاء الفنانون أيضاً هم ممن أمضوا سنوات طويلة في الغرب. وطبعاً، تزامنت فترة إقامتهم تلك مع سنوات الحرب اللبنانية. وهي مسألةٌ لم تكن خياراً حرّاً كما يقول بعضهم، بل تركت أيضاً آلامها لدى كثيرين. هم ـــــ من خلال تقديم مفهومهم الخاص للحرب ـــــ يحمّلون أعمالهم تلك النظرة الاجتماعية السياسية النقديّة لكل ما حدث.الفنان التشكيلي أيمن بعلبكي الذي قدّم منذ فترة معرضه Transfiguration Apocalyptique الذي تتبّع فيه أثر الحرب والخراب في بيروت والجنوب إبان عدوان تموز 2006، يعمل حالياً على المزج بين قراءة الحرب وإعادة قراءة المشهد الطبيعي اللبناني في لوحاته المقبلة. أمّا المخرج ماهر أبي سمرا صاحب «مجرد رائحة»، فيقوم ببحث عن الشيوعيين القدامى، ويعدّ شيئاً عن الانفجار الطائفي في لبنان، مستنداً إلى بوادر استعادة الحرب التي بدأت بعد أحداث 2005. يشعر أبي سمرا بأنّ بوادر الحرب كامنة في الجو، في الهواء، وفي كل ما حوله. حتى إنّ «مظاهر استكمالها واستعادتها بالحجم الذي كانته أو أقل أو أكثر، ما زالت حاضرة بقوّة».
المصوّر وفنّان الفيديو أكرم الزعتري صاحب «اليوم» و«في هذا البيت» و«الشريط بخير» و«الطبيعة الصامتة»، سيفتتح معرضاً فوتوغرافياً في 23 تموز (يوليو) المقبل يتناول أربعة أفلام أنتجها عن الحرب الإسرائيلية على لبنان، كانت بمثابة أركيولوجيا في واقع تلك الحرب. وكذلك يضع السينمائي غسان سلهب اللمسات الأخيرة على عمله الجديد، وهو شريط عن أحداث سنة 1958 في لبنان.
أما الفنانة التشكيلية لميا جريج، التي اشتغلت سابقاً على تشوّش الذاكرة في الحرب من خلال مشروع بعنوان «النهاية... شعور غريب من الألفة» قدّم صورة ضبابيّة ومذكرات مكتوبة وصور أفلام فيديو، فقد أعدّت أخيراً تجهيز فيديو لـ«بينالي الشارقة» بعنوان 3 triptychs. المشروع كناية عن فيلم يدور بين تسع غرف، ولكل غرفة عوالمها وموسيقاها، يضيع بينها مَن يدخلها. بينما تستكمل الأكاديمية والفنانة زينة معاصري بعد ملصقات الحرب، مجموعة الملصقات التي توثّق من خلالها فترة الخمسينيات والستينيات، السياسيّة والفنيّة في لبنان، لأنّها جزء من التاريخ السياسي. وبحفظها، تكون معاصري قد أسهمت في توثيق جزء مهمّ من الذاكرة الوطنيّة.