الهنغار» يناقش هذا المساء النظرة إلى الآخر، انطلاقاً من عنف بعض الجماعات المتزمّتة في بيروت، ردّاً على «الرسوم الدنماركيّة». طريقة ذكيّة لإحياء ذكرى الحرب الأهليّة...
زينب مرعي
«هكذا ينظر بعضنا إلى البعض الآخر... العالم العربي في عيون دنماركيّة/ الدنمارك بعيون عربيّة»، برنامج حافل تدعونا إليه اليوم «جمعيّة أمم للأبحاث والتوثيق» في مركزها في حارة حريك. ويشمل كوميديا ارتجاليّة ومقتطفات سينمائيّة ونقاش مفتوح، بالاشتراك مع «المركز الدنماركي للثقافة والتنمية» والسفارة الدنماركية في لبنان.
«أمم» تشتغل أساساً على ذاكرة الحرب عبر أرشفة الوثائق الورقيّة السمعيّة والبصريّة العائدة للحرب اللبنانيّة، وتنظّم أيضاً معارض لمواجهة الذاكرة الجماعيّة. والعمل على الذاكرة مشروع متواصل... لذا، لجأت الجمعيّة التي يشرف عليها لقمان سليم ومونيكا بورغمان إلى مقاربة جديدة، أشبه بعلاج نفسي يقتضي مواجهة المريض بما يخافه. هكذا، تعطي «أمم» لكلّ موضوع رقماً، ولكل رقم في الحرب وجهاً، عبر صور ووثائق جمعتها عن تلك السنوات، وتواجه الجمهور بها. أسلوب يقول لقمان سليم إنّهم لم يكتشفوا فعاليته بعد، فالأمر يلزمه وقت. ويضيف: «لا يمكن ترميم ثقافة سياسية من دون مراجعة تفصيلية، مؤلمة ومحرجة، لكل مرحلة فقدنا فيها الصبر السياسي واتخذنا فيها طريق العنف. ما نفعله تمرين يجب أن يكون رياضة نمارسها يومياً، لنصل إلى المثال الذي نتطلّع إليه، وهو تحديث ثقافتنا السياسية».
لكنّ حدث اليوم، يأتي بمنأى عن ذكرى الحرب الأهليّة حسب التحديد الحصري للكلمة، ليصبّ فيه بطريقة غير مباشرة، لاشتغاله على شكل من أشكال العنف الأهلي. من خلال «هكذا ينظر بعضنا إلى البعض الآخر» تريد الجمعيّة مواجهتنا بتاريخ آخر، هو 5 شباط (فبراير) 2006 يوم أحداث العنف في بيروت احتجاجاً على ما عرف بـ«الرسوم الدنماركيّة». لنستمع إلى لقمان سليم: «لا يمكن أن ننكر أنّ هذا التاريخ أُدرج على جدول حروبنا الصغيرة والأخرى الكبيرة». يضمّ الحدث «اسكيتشاً» ارتجالياً للكوميدي الدنماركي ـــــ المصري عمر مرزوق، ومقتطفات من فيلم «عربي في المدينة» لجورج لارسن وأحمد غصين، ونقاشاً بعنوان «الآخر في إعلام الآخر» مع الصحافي الدنماركي آدم هانستاد والروائي حسن داوود.
يُراد لهذا الحدث أن يكون فرصة للحوار، لكنّ فكرة سليم عن الحوار تبدو إشكاليّة بعض الشيء. برأيه، لن يكون الحدث مساحةً لحوار ثقافتين، بل للقاء بين عالم متحضّر، يقيم وزناً للحرّيات وعالم آخر «يغار من حرّية الغرب فيواجهها بالعنف»! العالم العربي هو الذي يسيء فهم الغرب، برأيه. وأساء فهم الدنماركيين في قضية الرسوم الكاريكاتوريّة، أمّا «الغرب فهو دوماً المبادر إلى التحاور معنا، وكثيراً ما يحاول تفهّمنا واستيعابنا... أمّا نحن فممتلئون بأنفسنا ومستعدون لإصدار أحكام الإعدام».
نسأل سليم إن كان يتصوّر وجود مصالح محددة أحياناً في بعض «خطوات الغرب السلميّة تجاهنا»، وإن كان يصنّف بعض السياسات الاستعماريّة والاستيطانيّة «محاولة لفهمنا واستيعابنا»؟ لكنّ محاورنا يأخذ النقاش إلى حيث يرى الأولويات: «يجب ألاّ نعمل على تحسين صورتنا أمام الغربيين، بل علينا أن نحسّن أنفسنا لتتحسّن صورتنا بعدها». ويضيف سليم أنّنا نخاف من الآخر بينما دعا الدنماركيون المخرج أحمد غصين، المشارك في الحدث، إلى أن يصوّر الجانب «المأزوم» من المجتمع الدنماركي. لكن مرّة أخرى، نرى أنّ «الجانب غير المشرق»، من المجتمعات الغربية ليس إلاّ تجمّعات الجاليات العربيّة أو المهاجرين ومحاولاتهم للاندماج في المجتمع الجديد.
قد نطلب من ناشط يشتغل على الحوار والسلم الأهلي مزيداً من التسامح، ومزيداً من الكرم والجهد في فهم واقعنا المعقّد من دون التغاضي عن أخطائنا. لكن لننتظر مساء اليوم، فنرى الوجهة التي سيأخذها حوار الثقافات، وخصوصاً أنّ الدنماركيين اختاروا إقامة الحدث في هنغار «أمم» في الضاحية الجنوبية، لتحسين صورتهم، وربّما أيضاً وضع بضائعهم المقاطعة...


7:00 مساء اليوم ــــ الهنغار (حارة حريك، لبنان). للاستعلام: 01/553604