الأزمة وتهميش المثقّف وماجدة أنقذت الموقف المنامة ـــ جعفر العلوي
باستثناء لافتات إعلانية بأحجام متفاوتة انتشرت في شوارع العاصمة البحرينية المنامة، فإنك لن تلاحظ أيّ مظاهر احتفالية أخرى على هذه الجزيرة الصغيرة. «الأرخبيل» الذي يتوسّط دول الخليج العربي يجاهد كي يصبح مهرجانه الثقافي الأول واليتيم في مصاف المواعيد الثقافية للدول الأكثر نصيباً من النفط. لكنّ «ربيع الثقافة البحريني» الذي اختتم فعالياته أمس كان شاحباً: لا أسماء كبيرة حلّت على البرنامج، ما عدا ماجدة الرومي التي حاولت إنقاذ المهرجان في اللحظة الأخيرة بإحيائها أمسية على مسرح «قلعة عراد» مطلع الشهر. وإذا كنّا سنسلّم بأنّ الأزمة المالية أثّرت في اختيار الفرق والمشاركين هذا العام، فإنّه لا جديد ميّز الفعاليات الـ34 عن طابع الاستعراض الذي غلب على الدورات السابقة، بل على المهرجان برمته منذ انطلاقته في العام 2006هكذا بدت التظاهرة باهتة، بالنسبة إلى جمهور اعتاد أن يكون «الربيع» موعداً للسجالات، ولعلّ أبرزها تلك التي خاضها المثقفون ضدّ مجلس النواب في العام 2007. يومها شكّل البرلمان لجنة تحقيق في عرض «مجنون ليلى» للفنان مرسيل خليفة والشاعر قاسم حداد بعدما تعالت الأصوات متّهمة العرض بالايروسّية وبـ «ممارسات غير أخلاقية». بالطبع، لم تخلُ هذه الدورة من سجالات أيضاً، وكان الكليشيه الأبرز فيها «تهميش المثقف البحريني والمؤسسات الثقافية البحرينية» في التظاهرة التي شهدت ستّ فعاليات محلية من أصل 34، وهي معادلة لا تزال تؤرق الكثير من المثقفين البحرينيين الذين ينقسمون حول هذا الرأي. وقد دافعت وزيرة الثقافة والإعلام عن هذا الخيار قائلةً: «الوجوه البحرينية حاضرة في كل سنة. لكن مهرجاناً بحجم مهرجان الربيع لا بد من أن يستقطب فرقاً عالمياً وعربية نظراً إلى طبيعته>>.
إذا، باستثناء حفلة ماجدة الرومي وبعض الفعاليات المميّزة هنا وهناك، مرّ «ربيع الثقافة» مرور الكرام مع طغيان الفعاليّات اللبنانية عليه. الافتتاح كان لمسرحية «قدام باب السفارة الليل كان طويل» لمخرجته نضال الأشقر (كتبتها مع الشاعر اللبناني عيسى مخلوف). العرض أخذ الجمهور كي يعايش معاناة الشباب اللبناني في بحثه عن الهجرة خشبة خلاص من واقعهم المأزوم. واستعادت الفنانة فاديا طنب الحاج «موسيقى العصور الذهبية» من خلال ندوة وأمسية موسيقية حملت هذا العنوان. كما كان عازف البيانو عبد الرحمن الباشا حاضراً في أمسية أقامها في الصالة الثقافية وقدّم فيها معزوفات عالمية وأخرى من مؤلفاته الخاصة. أما الشاعرة والكاتبة فينوس خوري ـــــ غاتا، فقدّمت قراءات من قصائدها المسكونة بطيف لبنان. وكان الشاعر شوقي بزيع أخيراً أحد أوجه المشاركة اللبنانية في المهرجان من خلال أمسية قدّمها في «مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث».
وكان من الواضح أن برنامج هذا العام عزّز حضور «التشكيل» على حساب سائر الفنون. ثمانية معارض شهدها المهرجان، لعلّ أبرزها معرض النحات المصري آدم حنين، و«سمبوزيوم النحت الدولي» الذي يستضيفه المهرجان سنوياً، ومعرض الفنانة لبنى الأمين وقاسم حداد المشترك «نزوة الملاك» الذي سنعود إليه في مقالة مستقلّة. بينما شهد المهرجان حضوراً كبيراً للموسيقى، بدءاً بـ«أوركسترا إدوارد سعيد» التي شاركت في احتفالية خاصة بـ«القدس عاصمة الثقافة العربية 2009» غنّت فيها الفنانة الفلسطينية ريم البنّا. وكان الحضور الأبرز للسوري بشار زرقان الذي قدّم مغناة «جدارية» للشاعر الراحل محمود دوريش. وكان قدّمها لأول مرة في مهرجان جرش في العام 2007. غير أنّ بشار أضاف هذه المرة على الـ «جدارية» مقطوعات موسيقية وغنائية متنوعة ليقدمها للجمهور البحريني في سياق «تجريب مستمر للتجربة، لن يقف عند هذا الحد» كما أشار زرقان نفسه.
الندوات الفكرية خلت من الأسماء المهمة والعناوين الجدليّة، باستثناء الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي التي ناقشت «لماذا اشتهر ابن حزم على الإنترنت» في ندوة طويلة، علماً بأنّ «الربيع» حفل في الأعوام السابقة بأسماء كبيرة كالمفكر محمد أركون وسعيد يقطين وسعيد بن جراد والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي. وعلى رغم أنّ يوم الشعر العالمي تزامن مع المهرجان، إلا أنّ نجم الشعر خفت خفوتاً ملحوظاً هذه الدورة ليقتصر على أربع أمسيات عادية، بعدما شهدت الأعوام السابقة حضور شعراء كالراحل محمود درويش وأدونيس.
وعلى رغم الانتقادات التي يوجّهها بعض مثقفي البحرين إلى وزيرة الثقافة والإعلام الشيخة مي بنت محمد بن إبراهيم آل خليفة، بسبب طريقة إدارتها الشأن الثقافي في البلد، فلا بدّ من الاعتراف بإنجازاتها على مدى سبعة أعوام، حيث عجزت المؤسسات الثقافية الأهلية طيلة ثلاثين عاماً. ألم تطلق، قبل أعوام، مشروع «الاستثمار في الثقافة» الذي جاء «ربيع الثقافة» أحد نتاجاته؟