راجل وست ستات» سيشهد آخر مواسمه في رمضان المقبل. لكنّ النكتة ظلّت تطغى على برامج السيتكوم على حساب المواقف الكوميدية. ورغم أنّ ورش السيناريو تتألّف من شباب موهوبين، إلا أنّهم جميعاً ورثوا ثقافة واحدة هي ثقافة الـ... Effet!
محمد خير
هل يمكن أن ينجح برنامج يعتمد على كوميديا الموقف من دون أن يعتمد على كوميديا الموقف؟ إنّها ليست «فزورة»، بل هو الـ«سيتكوم» العربي. لكنّ البدء بالمعلومة أفضل دائماً. والمعلومة تقول إنّ «راجل وست ستات» المسلسل الكوميدي الأكثر نجاحاً على الشاشات العربية، سيشهد عرض آخر مواسمه في شهر رمضان المقبل.
لم تشهد الدراما العربية من قبل مسلسلاً يصل إلى خمسة مواسم، سوى ملحمة «ليالي الحلمية». أما الجزء الخامس الذي سيتمّم حلقات «راجل وست ستات»، فسيصل بالمسلسل إلى الحلقة 150. ما دعا القائمين عليه إلى الإعلان عن أنّ هذا الرقم قياسي. بينما التاريخ، الدرامي، يقول إنّ حلقات «الحلمية» بلغت 155 حلقة، بمدة 45 دقيقة للحلقة الواحدة، مقابل 20 دقيقة لحلقة «راجل وست ستات». لكن تلك مسألة أخرى. بينما كانت «ليالي الحلمية» دراما اجتماعية تاريخية، فإنّ «راجل وست ستات» يُفترض أن يكون «سيتكوم»، فهل هو كذلك حقاً؟
أصبحت الغالبية تعرف اليوم أنّ «سيتكوم» هي اختصار لعبارة Situation Comedy، أي كوميديا الموقف. وعلى رغم أنّ الـ«سيتكوم» العربي ومسلسلاته الأشهر «راجل وست ستات»، و«تامر وشوقيّة»، و«العيادة»، قد استعارت إلى حدّ متفاوت النجاح، بتقاليد الـ«سيتكوم» الأميركي (بدءاً من ورش الكتابة والاستعانة بالجمهور، وضحكاته، في تصوير الحلقات وتسجيلها، مروراً بتقطيع المشهد وصيغة المشكلة الرئيسة والأخرى الفرعية وغيرها من العناصر مثل الأبطال الثابتين والنجوم الزائرين، والاستديو الثابت، والشخصيات النمطية)، إلا أنّ تلك البرامج، رغم نجاحها وجودتها، لم تشبه أبداً، ولا يبدو أنها ستشبه، برامج «ساينفيلد» أو «فريندز»، وغيرها من البرامج الأشهر في العالم. هنا، لا يبدو أن عدم الشبه هذا ينبع من فارق الإمكانات، بل يبدو فارقاً ثقافياً قبل كل شيء.
يهزّ رمزي (سامح حسين) رأسه بتأثر، قائلاً لعادل (أشرف عبد الباقي): «صحيح أخيراً تعمل، شراً تلقى»، فتتفجر ضحكات جمهور هذه الحلقة من «راجل وست ستات». النكتة هنا إسقاط على مثل شعبي شهير هو «خيراً تعمل، شراً تلقى». أضاف الممثل (أو الكاتب) حرفاً واحداً (الألف) إلى كلمة «خيراً»، فتغيّر المعنى ووُجدت النكتة. وفي إحدى حلقات «تامر وشوقية» بعنوان «رشوة بتلّو» (كتبها ميشال نبيل)، نرى جزاراً اسمه المعلم «الدالي» ينطق هكذا «إدّالي» التي تعني في العامية المصرية: أعطاني. بالتالي، كان التعليق المتكرر من بقية الممثلين دائماً هو: «إدّالك ايه؟» بمعنى «ماذا أعطاك؟». استخدم الجناس نفسه مرات عدة، فكان الجمهور ينفجر بالضحك كلّ مرة، مؤكداً انسجام مزاج المشاهد المصري/ العربي، مع نظرية الـ Effet.
مهما كان المصدر الأصلي للفظة «إفيه»، فإنها تعني في لغة الدراما العربية شيئاً واحداً: النكتة اللفظيّة. جرت العادة على اعتبار الكوميديا «راقية» كلما ابتعدت عن «الإفيه» لمصلحة الموقف، ومبتذلة كلما اعتمدت على التلاعب بالألفاظ. مع ذلك، فإنّ الكوميديا العربية، ممثلة في التاريخ الطويل في السينما المصرية، قد اعتمدت دائماً على «الإفيه» مع استثناءات نادرة جداً. كذلك الحال في المسرح الكوميدي المصري، حتى مع اختلاف موضوعات مسرحياته، بين معالجة قصة أشهر سفاحتين (ريا وسكينة)، أو مشكلات تلاميذ أشقياء (مدرسة المشاغبين)، أو جريمة قتل بلا شهود (شاهد ما شافش حاجة)... ظلت النكتة اللفظية أهم من المواقف التي أتاحها الورق للشخصيات. وعلى رغم أنّ ورش السيناريو التي تكتب مسلسلات الـ«سيتكوم» المصرية الآن، تتكوّن معظمها من شباب عشرينيين موهوبين، إلا أنهم ورثوا ثقافة «الإفيه». وعلى رغم الجهد المبذول في استيعاب مشكلات الواقع المصري مثل الزحام، والبطالة، والكساد... ودمجها في أحداث المسلسلات المذكورة، إلا أن الورق المكتوب، وإضافات الممثلين، تنحو بغزارة نحو التلاعب اللفظي، وملء الحوار بأكبر قدر من «الإفيهات» على نحو المثالين المذكورين، وليس على نحو شخصية «جورج كوستانزا» في مسلسل «ساينفيلد» على سبيل المثال، الذي يكتشف فجأة سبب فشله الدائم، ألا وهو سيطرة رغباته الجنسية على عقله بالكامل. وبمجرد أن يقرر نسيان الجنس الناعم، يحقق نجاحاً هائلاً، ما يجلب إليه، لأول مرة، عدداً من الجميلات. هل ينغمس في اللذة فيفقد لياقته الذهنية، فنجاحه، مجدداً؟ أم يستمر في تجنّب النساء من أجل مزيد من النجاح؟ يمكن حتى لمشاهد عادي أن يتصور العديد من المواقف الكوميدية لتلك الحلقة.


السيتكوم الأوّل