عقد من الجهود نجح خلاله قائد الأوركسترا الفنزويلي في مصالحة الشباب مع الموسيقى الكلاسيكية من خلال «أوركسترا سيمون بوليفار للشبيبة الفنزويلية»
بشير صفير
عشر سنوات مضت على قيادة غوستافو دودامَل «أوركسترا سيمون بوليفار للشبيبة الفنزويلية». عقد من الجهود نجح خلاله القائد الفنزويلي في مصالحة الشباب مع الموسيقى الكلاسيكية. لا تعني الموسيقى الكلاسيكية الكثير للشباب خلال المراهقة. إذ ينحصر اهتمام معظمهم في هذه الفترة من حياتهم بالتيارات الموسيقية الحديثة التي تعبِّر عن أحاسيسهم وهمومهم وحتى «انحرافاتهم». وهذا أمر طبيعيٌّ. المشكلة هي عندما يفرض الأهل على أبنائهم هذه الموسيقى (لدراسة العزف على آلة أو للاستماع) ويمنعونهم من الاستماع إلى الموسيقى التي تستهويهم، فتنتج من ذلك نماذج من الكبت والعقد. أما المصيبة فتكمن في التجارب التي تعيد توليف الأعمال الكلاسيكية في قوالب حديثة وسخيفة بهدف جعلها مألوفة. وهذا ما يمكن تسميته الشَّعبَنَة التجارية.
تبدو هذه المقدمة ضرورية لشرح ظاهرة استثنائية في عالم الموسيقى الكلاسيكية اليوم: غوستافو دودامَل و«أوركسترا سيمون بوليفار للشبيبة الفنزويلية». استناداً إلى الحالات المذكورة أعلاه التي تصف علاقة الشباب بالموسيقى الكلاسيكية، يقدِّم دودامَل وفرقته نموذجاً خاصاً لعلاقة «صحيّة»: الشَّعبَنَة غير التجارية.
وُلِد غوستاف دودامَل عام 1981 ودرس الموسيقى منذ صغره. أظهر ميلاً إلى قيادة الأوركسترا، ما أتاح له المشاركة والفوز في مسابقة عالمية عام 2004. قبل ذلك (1999) أصبح قائداً لـ«أوركسترا سيمون بوليفار للشبيبة الفنزويلية»، بعدما تتلمذ على يدِ مؤسسها خوسيه أنطونيو آبرو. بدايةً، يجب الإشارة إلى أنّ هذه الأوركسترا تؤدي دوراً اجتماعياً في فنزويلا، فهي جزء من مشروعٍ يعمل على تحفيز الأطفال (وخصوصاً المشردين منهم) على دراسة الموسيقى. بُعَيد فوز دودامَل بالمسابقة العالمية، دعته شركة «دويتشيه غراموفون» الشهيرة لتوقيع عقد حصري (2005). هذا الحدث وحده يكفي لوصف دودامَل بالظاهرة الفنية. ويُعتَبَر هذا العقد بمثابة معجزة في حياة موسيقيين كبار، وتحديداً قائدي الأوركسترا. إذ إنّ الشركة المذكورة تملك تسجيلات لا تُحصى لأساطير في هذا المجال (كارايان، كلايبر، آبادو، وغيرهم)... فكيف إذا حَظِيَ به شاب في ربيع العمر؟!
أول أسطوانة (2006) عند «دويتشيه غراموفون» ضمّت السيمفونيّتَيْن الخامسة والسابعة لبيتهوفن. رغم توافر عشرات التسجيلات القيّمة لهذين العملين، استطاع دودامَل وفرقته تقديم قراءة خاصة، وجدت الحد الفاصل بين الزخم وعمق التعبير. بعد هذا التسجيل، أصدر دودامَل أسطوانته الثانية (2007) التي حَوَت السيمفونية الخامسة لمالِر. بعد إثبات وجوده وجدارته في الريبرتوار الأساسي، قاد دودامَل فرقته في برنامجٍ خاص بمؤلفي أميركا اللاتينية (2008)، مستفيداً من شهرته لتعريف العالم على روائع من قارّته. وبما أن الرقص مِن أسس المجتمع اللاتيني، فلم يغب هذا النَّفَس عن الأعمال الكلاسيكية التي تطال النخبة والشعب والشباب في آنٍ، فحمل الإصدار عنوان «فييستا» (احتفال). وفي التسجيل المصوَّر لـ«فييستا»، يكسر دودامَل وفرقته أحد القيود التي تكبل الموسيقى الكلاسيكية. قُبَيْل الختام، يخلع الموسيقيون البزّة الرسمية لتظهر تحتها قمصان رياضية زاهية الألوان، ويتابعون الـ«احتفال» بجديّة.
أما جديد غوستافو دودامَل وأوركسترا سيمون بوليفار للشبيبة الفنزويلية، فهو تسجيل للسيمفونية الخامسة لتشايكوفسكي (وعمل أوركسترالي آخر بعنوان «فرانشيسكا دا ريميني»)، صدَرَ الشهر الماضي.
لكن على سجل دودامَل نقطة سوداء وحيدة ومخزية: في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قَبِل دعوة لقيادة الأوركسترا الفِلهارمونية الإسرائيلية وجال معها في الولايات المتحدة الأميركية. يصعب تفسير هذه الخطوة من موسيقيّ ينتمي إلى بلد المواقف الجريئة والواضحة من الدولة العبرية وممارساتها... إضافة إلى أنّه يقود أوركسترا تحمل اسم مناضل في سبيل الإنسان والتحرّر: سيمون بوليفار!