بيار أبي صعبكانت مغامرة «الأخبار» في أسابيعها الأولى، ولبنان يخرج ببطء من كابوس تموز 2006، حين جاءنا على غير انتظار زائر من الزمن الجميل. ليس الأديب والناقد المغربي بغريب عن بيروت التي تربطه بها أواصر قربى، وجدانيّة وثقافيّة وعائليّة. لكنّ المكاتب التي شغلناها على عجل في الكونكورد، لم تكن قد اعتادت بعد زيارات أصدقاء من «الخارج»، مع أننا، في سرّنا، كنا ننتظر أن يلوحوا في الأفق. أطلّ بتلك الحقيبة الجلديّة التي تتدلّى على جنب المسافرين، ليبارك لنا صدور جريدة تابعها من اليوم الأوّل على الإنترنت. تجاذب أطراف الحديث مع جوزف، ولم يبخل بالاقتراحات والملاحظات والانتقادات والتساؤلات. ثم عاد من حيث أتى.
ما لم يقله صاحب «المخدوعون» يومذاك، إنّه قادم من رحلة إلى البرازيل... وإنه عاش العدوان الإسرائيلي عن بعد، وعاد إلى باريس مسكوناً بهاجس واحد هو دخول بيروت. كل ذلك نكتشفه الآن في «أيّام برازيليّة وأخرى من يباب» («المركز الثقافي العربي»). واليباب الإليوتي (نسبة إلى الشاعر الأميركي) هو للأيّام اللبنانيّة التي تحتلّ نصف الكتاب. صفحات تعبق بعطر أدب الرحلات. يكتب المديني بلغة أنيقة تنهل من المخزون التراثي. يروي اللحظة كما يعيشها، بسلاسة سرديّة، تاركاً مع موضوعه مسافة تتسع لمعارف ومراجع ومشاهدات واكتشافات، لأسئلة شعريّة وفلسفيّة. من «حديقة الله» و«بلاد الجسد من دون منازع»، إلى حطام بيروت وضاحيتها وجنوب لبنان، مجازاً لانهيارات أشمل وأعمق... مروراً بمحطّة العبدلّي في عمّان، تلك التي ارتادها قبل بضع سنوات باحثاً عن سبيل لدخول بغداد المحاصرة. ما لهذا الرجل يحوم دائماً حول المدن الجريحة؟