حسين بن حمزة يقدِّم كتاب «في أدب العراق الحديث/ دور الأدباء الشيعة» (دار الفارابي) لعبد الرضا صادق (1918 ـــــ 1997) إمكان العودة إلى محطات تاريخية ودينية قديمة، ومعاينة الكيفيات التي حضرت فيها فكرة «التشيُّع» داخل الأدب الذي كتبه أدباء شيعة في الفترة بين 1950 ـــــ 1958. لكنّه لا يكتفي بدراسة الفترة المحددة، إذْ لا بد من إضاءة جذور المادة المبحوثة وإرهاصاتها، وهذا يعني الرجوع إلى العصرين الأموي والعباسي لاقتفاء بدايات ما يمكن تسميته أدباً شيعياً. بهذا المعنى، قد لا يكون الكتاب جذّاباً لقارئٍ حديث سريع الملل لم يعد يعنيه اليوم مذهب الكاتب الذي يقرأ له أو عقيدته الدينية. صحيح أنّ الانتماء الديني أمر لا يمكن محوه أو تركه جانباً نهائياً، إلا أنّ الأدب صار أبعد وأعقد من مجرد رؤيته خلاصة أو انعكاساً لعقيدة دينية. في المقابل، لا تخلو رحلة القارئ الصبور من متعة حقيقية. ثمة مادة أكاديمية رصينة وذكية في الكتاب، وهناك كمية هائلة من المعلومات التاريخية والشعرية التي تُقدّم من وجهة نظر تحدِّدها طبيعة البحث وعنوانه، وهي وجهة نظر تُرينا الشعر الذي سبق أن قرأناه من زاوية مختلفة. التشيّع هنا لا يبقى محصوراً داخل إطاره المذهبي الضيّق، بل يصبح غرضاً شعرياً يمكن إخضاعه للقراءة والتحليل النقدي كأي نص أدبي آخر. في هذا السياق، ننتبه إلى أن معظم الشعر العراقي المكتوب في النصف الأول من القرن الماضي أنجزه شعراء شيعة. وينطبق ذلك على شعر أقدم أيضاً، حيث يعرض المؤلف قصائد وأبيات كتبها دعبل الخزاعي وأبو تمام والبحتري والمتنبي والمعري وابن الرومي... ويخلص إلى أن الأدب الشيعي القديم «كان في جملته أدب عقيدة واضطهاد»، وأنه كان «أدب المعارضة الجريئة».
مثل أي بحث أكاديمي، والكتاب في الأصل رسالة دكتوراه لم تبصر النور، بدأ المؤلف بتمهيدين تاريخيين عن «الشيعة لغةً واصطلاحاً» و«الطابع العام للأدب الشيعي القديم»، ثم بفصلين خصصهما للحالة السياسية والاجتماعية في العراق أثناء الفترة مدار البحث، قبل أن يتناول «مدارس الشعر العراقي، وحظّ الشعر الشيعي فيه»، ثم «مدى إسهام الشعر الشيعي في الحياة السياسية والوطنية والاجتماعية». داخل هذه الفصول، نعاود قراءة شعراء مثل الشبيبي والشرقي والحبوبي والجواهري... وصولاً إلى رواد التفعيلة وشعرائها: الملائكة والسيّاب والبيّاتي وسعدي يوسف، حيث يلاحظ المؤلف اختلاف مكوّنات القصائد ومساعيها باختلاف الزمن السياسي والاجتماعي الذي كتبت فيه، فنجد تمييزاً بين «شعر تقليدي» و«شعر جديد» على صعيد المضمون والأسلوب والخلفية الفكرية. ابتداءً من نهاية الحرب العالمية الثانية، يشير المؤلف إلى «ظهور اليسار» بقوة لدى المحدثين المتحررين من سطوة العمود الشعري الكلاسيكي، ويرى في ذلك دلالة على صعوبة الانطلاق من المذهب في تناول الشعر الذي راح يكشف انتماءً سياسياً ألقى بظلاله على الأدب الذي كتبه السنّة والشيعة على السواء. يبقى أخيراً أن نشير إلى الحيوية النقدية التي أبداها عبد الرضا صادق (متخرّج في الحوزات الدينية النجفية) في تناول موضوعه الذي بدا، لأول وهلة، كأنه اختير لغاية مذهبية محض، قبل أن يتكَّشف جهد أكاديمي وتحليلي تميَّز بالجدية والانفتاح، ولم يُخضع التاريخ والأدب لقراءة مسبقة ومتعسِّفة.