strong>زياد عبدالله يمكن جسداً بعضلات مفتولة وأوشام صارخة أن يكون مرور الزمن عليه عاتياً بما لا يقارن مع غيره من الأجساد، ما دام الرهان الأول والأخير هو على هذا الجسد وعلى تبديده في حلبات المصارعة الأميركية. وهو الشيء الوحيد الذي يجيده راندي في The wrestler أو ميكي رورك الذي جسّد تلك الشخصية المتقاطعة مع حياته الخاصة، مقدّماً بذلك «دور العمر». إنّه ميكي رورك نفسه الذي اعتزل التمثيل عام 1991 كي يتفرغ للملاكمة، محقّقاً نجاحاً كبيراً. لكنّه بعد أربع سنوات، ترك الحلبة ليعود إلى التمثيل بكسر في الأنف وآخر في ضلعه، وخسارة جسيمة في مسيرته الفنية. هكذا، جاء دوره في «المصارع» بمثابة آخر أمل له في سطوع نجمه.
يضعنا الفيلم الذي أخرجه دارين أرونوفسكي مباشرةً أمام أمجاد راندي (ميكي رورك)، إذ نشاهد قصاصات صحف، وصوراً تذكارية مع أصوات المعلّقين الرياضيين... لكن سرعان ما نكتشف أنّ ذلك في طريقه إلى الزوال بسبب الطريقة التي يجلس فيها راندي ورأسه محنيّ، وسماعة الأذن التي تشير إلى تقدّمه في العمر وعلامات الإنهاك البادية على وجهه. كما نراه مفلساً، يصل إلى بيته أو مقصورته الصغيرة، فيجدها مقفلةً لأنّه لم يدفع الإيجار.
إنّه أسطورة مفلسة الآن، رغم أنّه ما زال مستعداً للقيام بأي شيء ما دام الأمر يتعلّق بالحلبة، كأن يجرح نفسه بشفرة كي تبدو ضربات خصمه حقيقيّة، ويصبح بالتالي سحقه أشد وقعاً على الناس. كذلك ما زال يتقن كل خدع المصارعة الأميركية المعروفة، إلى أن نصل إلى مباراة يبتدع فيها راندي وخصمه شتى أنواع الجنون: نراه كيف يغرز في جسده مسامير وخرزات وكلّ ما يخلّف جروحاً كثيرة تلبّي رغبات متابعي تلك المصارعة.
مع نهاية تلك المباراة، تحدث انعطافة الفيلم. إذ يصاب راندي بنوبة قلبية ويخضع لعملية جراحيّة. وعليه، يصبح اعتزال المصارعة ضروريّاً كي يبقى على قيد الحياة. ثم نلاحق حياته السابقة والحالية بعد توقفه عن الشيء الوحيد الذي يجيده.
هكذا، يفشل في علاقته الغرامية مع راقصة التعرّي راندي، وفي أداء دور الأب مع ابنته تماماً كما يفشل في مواصلة عمله في «سوبر ماركت». بكل بساطة، يفشل في إيجاد حياة خارج الحلبة. «المصارع» يحكي حياة شخصية رئيسية مطلقة، تُسرد بتقطيع مونتاجي متقن وحوارات مقتضبة تضيء مآزقها وصراعاتها. لقطات مميزة وإيقاع يتباين بين حلبة المصارعة وخارجها، بما يُشبه حياة راندي نفسها. ولعل القول إنّ الفيلم واحد من أهم انتاجات 2008، يدفعنا إلى استحضار «أسد البندقية» التي فاز بها في الدورة الأخيرة من المهرجان.


«بلانيت أبراج» (01/292192)، «بلانيت طرابلس» (06/442471)، «بلانيت سان إيلي» (04/406706)