سناء الخوريظاهرة فجائزة فجدل: عناوين تختصر الضجّة التي واكبت فيلم «بين الجدران» للفرنسي لوران كانتيه (1961) منذ نيله السعفة الذهبيّة لـ«مهرجان كان» العام الماضي. وصول الشريط إلى الصالات اللبنانيّة، قد يبدو متأخّراً، لكنّه مناسبة ليتعرّف الجمهور اللبناني إلى طلاب «ثانويّة فرانسواز دولتو» الواقعة في دائرة باريس الـ 20، وإلى أستاذهم فرانسوا بوغودو (1971)، صاحب الكتاب الذي اقتُبس عنه الفيلم، ويروي فيه تجربته كأستاذ في التعليم الرسمي. أمّا التلاميذ، فهم أيضاً «حقيقيون»، لا يمتلكون أي تجربة سابقة أمام الكاميرا، ويجسّدون مراهقي الطبقات الفقيرة وأبناء المهاجرين في الضواحي الفرنسيّة.
كانتيه ــــ المعروف بنبرته الواقعيّة الصلبة منذ فيلمه «موارد بشريّة» (1999) ــــ جمع، في ذلك الصفّ الصغير، اثنتين من القضايا الإشكالية التي تطرح نفسها بإلحاح في فرنسا: رسالة التعليم الرسمي ومكانة المهاجرين في المجتمع... «حشرهما» السينمائي في غرفة واحدة، في مقاربة أرادها شبه وثائقيّة. لهذا، منذ النظرة الأولى، يبدو خطاب الفيلم، مثقلاً بكلّ ما في هذه الدنيا من هموم! السيناريو مكتوبٌ وليس مسجّلاً، ما يزيد من افتعال الثقل في المضمون. أمّا الجدل، فنتج من هذه الخلطة. من جهة، يعطي الالتفات إلى صعوبات مهنة التعليم في المدارس الفرنسيّة، وتحدياتها نقطة لمصلحة الفيلم. أمّا حوارات التلاميذ مع أستاذهم، بما فيها من صراخ وعنف يوحيان بـ«الواقعيّة»، فتضعنا أمام نقاش فلسفي في الديموقراطيّة، وحقّ الاختلاف وحريّة التعبير.
هل جاء المخرج بهذا الأستاذ «الفرنسي الأصيل»، ليعلّم «أبناء المهاجرين» أسس الحوار؟ كأننا أمام نسخة فرنسيّة من فيلم أميركي محوره الأستاذ البطل الذي سيحوّل صفّ المشاغبين وتجّار المخدّرات و«الزنوج»، إلى «صفٍّ معجزة». شون بن رئيس لجنة التحكيم في «كان» 2008، أبهرته قصّة المراهقين الذين وضعهم المجتمع على قارعته، فإذا بأستاذ الأدب يسعى إلى إعادتهم إليه عبر الاندماج ونقل القيم الجمهوريّة (بالمعنى الفرتسي للكلمة). فإذا بهم، هم المحرومون أوراقاً ثبوتيّة في بلدهم، يناقشون داخل الحصّة الدراسيّة الأخلاق، والسلطة، ومدينة أفلاطون الفاضلة! أراد الأستاذ أن يقرّب المادة المعرفيّة من الواقع، لذا تبدو نهاية الفيلم واقعية، مع اعتراف خجول لإحدى الطالبات: «لم نتعلّم شيئاً هذه السنة!»


«ABC» (209109/01) ــــ «غراند كونكورد» (01/343143)