الفرقة أسسها الجزائري مهدي حداد تقدّم الروك الشرقي الإلكتروني، مع إشارات عابرة إلى تيارات أخرى كالراب والراي. الليلة تحت المجهر في بيروت
بشير صفير
فرقة «سبيد كارافان» في بيروت لإحياء حفلة في «ميوزكهول» مساء اليوم. حدثٌ بالغت الجهة المنظّمة في الترويج له وإثارة الضجة من حوله. والمستغرب أنّ أنشطة هذا الكاباريه البيروتي المميّز، لطالما حافظت على الحد الأدنى من المستوى، ونقصد الفنانين الذين ينتجهم ميشال إلفتريادس أو الذين يدعوهم «كاباريه دو موند» أو مهرجان «ليبان جاز». وعندما نقول «حداً أدنى»، لا نقصد شعبية الفنان محلياً أو عالمياً، ولا قابلية الجمهور العريض لهذا النمط الموسيقي أو ذاك، بل المعايير الموضوعية التي تحدّد جديّة التجارب الفنية المعاصرة.
هذه الفرقة الحديثة نسبياً تقدِّم مشروعاً، تأتي الكلمة فيه في الدرجة الثانية. أما النمط الذي يطرحه مؤسس «سبيد كارافان» (قافلة سريعة)، الموسيقي الجزائري الأصل مهدي حداد (يقيم حالياً في فرنسا)، فهو الروك الشرقي الإلكتروني، مع إشارات عابرة ـــــ ضمن الطرح الأساسي ـــــ إلى تيارات أخرى كالراب والراي. والفرقة عبارة عن مثلث يمثّل فيه حداد (إلكتريك عود) الطرَف العربي الحديث، بينما يتألف الطرفَان الغربيَّان من باسكال تيِّيه (باص) وهرميون فرانك (إلكترونيات).
وتأتي حفلة اليوم ضمن جولة شرق أوسطية للفرقة (تشمل القدس الغربية!)، تقدِّم خلالها باكورتها Kalashnik Love التي صدرت العام الماضي. واللافت في الألبوم مشاركة مجموعة كبيرة من الفنانين الضيوف في أداء الأعمال الموسيقية والغنائية، أبرزهم مغني الراي الجزائري الشهير رشيد طه وأحد أبرز وجوه الروك التجريبي في فرنسا، عازف الغيتار رودولف بورجيه وغيرهما.
انطلاقاً من مزْج الشرقي والغربي، وضعَت الفرقة مجموعة مؤلفات جديدة، كذلك أدرَجَت في الألبوم أعمالاً مستعادة من الروك والموسيقى الإلكترونية (لفرقتَي «ذو كيور» و«ذو كاميكِل براذرْز») والموسيقى الأرمنية والتراثية البلغارية والجزائرية. أما إعداد الأعمال الخاصة بالفرقة وتوليف الأغنيات والمقطوعات المنتقاة من المصادر المذكورة، فتمّا ضمن قالب موحَّدَ أعطى الألبوم هوية موسيقية متجانسة. هكذا تنوَّعت المادة الإلكترونية المُبرمَجة بين التجاري والأقل تجارية. وأتى الروك حديثاً، لكن كلاسيكياً لا جديد فيه. كما تولّى العود الكهربائي ـــــ الذي استؤصِلَ صندوقه ـــــ مهمة تمثيل العرب في المزيج. مع الأسف، لم ينتبه (؟) مهدي حداد إلى أن تعديل هذه الآلة بهذه الطريقة عرَّضها لتشويهٍ جوهري. هناك مفهوم سائد ومشترك بين عازفي العود الأصيلين يقول إنّ الكيمياء التي تنشأ بين الآلة وعازفها، مصدرُها الذبذبات التي يرسلها الصندوق الخشبي إلى القلب. وبالتالي، فاحتضان الآلة له تأثير أساسي على الإحساس في العزف. إنّه السرّ الذي لا تضبطه ولا تفسّره أي قاعدة موسيقية علمية، فضلاً عن النبرة الصوتيّة الشجيّة التي تولد من ارتدادات الموجات الصوتية داخل الخابية المعتَّقة.
وهنا تدعونا القراءة الشاملة لتجربة «سبيد كارافان» إلى توضيح نقطة مهمة مرتبطة بموضة المزج عموماً، وما طال الموسيقى الشرقية من جراء ذلك خصوصاً. الـ«فيوجن» أو المزج، أتى تاريخياً من الحاجة إلى التطوير والتغيير والانفتاح المتكافِئ. وبالتالي، لم يعرِّض جوهر المادتين الممزوجتين لتشويهٍ يُذكَر إلا في بعض الحالات الشاذة (مزج الموسيقى الكلاسيكية بالبوب). لكنّ الموسيقى الشرقية قلّما استفادت من عمليات المزج التي طالتها، لأنّ معظمها همَّش إيقاعاتها المعقدة، فسطَّح هذا البعد الأساسي فيها، كما أبعد خاصتها الفريدة، أي ربع الصوت، فقتل إحساسها النغمي الخاص.
إن الحداثة لا تعني بالضرورة تقدماً موضوعياً في الحياة الفنية (وغيرها). ومهدي حداد الذي باع هويته وأخفى آثار الصفقة بعودٍ كهربائي وبعض النغمات الشرقية، هو خير مثال على ذلك. نحن لا ندعوكم إلى الوثوق بنا، بل إلى حفلة اليوم لتتأكدوا بأنفسكم.


8:30 مساء اليوم ــــ «ميوزكهول» (ستاركو/ بيروت): 01/361236