محمد خير
على خشبة «مسرح الجنينة» (القاهرة)، غنّت ريما خشيش منذ أيام بمشاركة عازف وحيد، ربما لأنّ في حنجرتها أوركسترا كاملة. المسرح المفتوح غصّ بضعف سعته. 300 كرسي احتشد حولها وبينها 200 مشاهد إضافي. ملأوا كل بوصة فوق الأسوار أو وراء الأعمدة ولم تثنهم قطرات المطر المتفرقة. وجبة ريما الفلكلورية، بدأت بمفاجأة طيبة: إنّها الحفلة الأولى التي تستخدم فيها تجهيزات الصوت الحديثة، بعدما وفّرتها للمسرح «مؤسسة المورد الثقافي»، راعية الحفلة. إلا أنّ الأداء الاستثنائي للمطربة اللبنانية بعث شعوراً بأنّ مثلها لا يعوّل كثيراً على التجهيزات الحديثة. جاءت تغنّي مع عازف الكونترباص الهولندي توم أوفرووتر الذي لم يتجاوب الجمهور مع آلته كثيراً، وخصوصاً أنّ صوت ريما كان جاهزاً طيلة الأمسية ليملأ المسرح وحده.
أغنيات ريما نقوش فوق قماشة أساسية، هي موشحات فؤاد عبد المجيد المستكاوي. تتحرك مع رائد الموشح المصري ذهاباً وإياباً، تخرج منه لتعود إليه. غادرت إلى سيد درويش مرتين: لحن «كان الشيطان»، من أوبريت الباروكة وكلمات عبد العزيز أحمد، ثم «منيتي عز اصطباري» الذي لحّنه فنان الشعب لشاعر مجهول. غنَّت للرحابنة «لا إنت حبيبي»، وتلك كانت إحدى الأغنيات القليلة التي تجاوب فيها الجمهور مع أوفرووتر، الأمر الذي حدث أيضاً مع موال «ولوّ» لوديع الصافي وأمام مجهوده الواضح في تعويض غياب آلة الإيقاع اللازمة لموشح «منيتي».
من كلمات وألحان ربيع مروة، غنّت ريما «بيكفّيني». لكنّ الأغنية نالت أقلّ قدر من التصفيق، إذ بدت الأغنية المعاصرة ـــــ بكلماتها التقليديّة ـــــ غريبةً وسط كل هذا الغناء التراثي. لكنّ ريما حين شدَت بموشح «فتن الذي»، فتنت الجمهور. الموشح الذي لحنّه المستكاوي عن كلمات نور ثابت، اشتهر مصرياً بصوت عفاف راضي، لكنّ ريما تفوّقت عليها، لتتابع مع مجموعة موشّحات مستكاوية مثل «حرّم النوم علينا» و«عشقت مها»، وطعّمتها بطقطوقة كلثومية تعود الى 1926.
الجمهور الذي طالب بأغنيتها «سليمى»، عاد خائب الظن. بعض الأغنيات لا يمكن أداؤها من دون فرقة، الأمر الذي ينطبق على معظم ألحان أسطوانة خشيش الأخيرة «فلك». لكنّ المستمعين خرجوا متأثرين بقديمها، وخصوصاً أنّها كانت المرّة الأولى التي تلتقي فيها الفنانة الشابّة جمهورها الشاب، بعدما زارت مصر في سياقات أوبرالية رسمية.