مسلّحو «طالبان» غزوا الصفحات الأولى، والنزاع مع «المتمردين الإسلاميين» احتلّ المانشيتات منافساً الأزمة المالية... بلاد الرافدين لم يعد الشغل الشاغل للصحف الأميركية
صباح أيوب
حدّد الرئيس الأميركي باراك أوباما أولويات سياسته الخارجيّة ــــ العسكريّة، فحلّت أفغانستان في المرتبة الأولى. محاربة «طالبان» ووضع خاتمة للحرب الأميركية التي بدأت منذ 2001 في أفغانستان، هو العنوان الأساسي. توضّحت الخطوط العريضة إذاً. وكما في العسكر كذلك في الإعلام: ها هي الصحف الأميركية الأبرز تمتثل للخطة الجديدة وتدخل في حملة إعلامية مساندة لمخطط أوباما والإدراة الجديدة.
«أمر اليوم» بات ظاهراً بوضوح لكلّ متابع للإعلام الأميركي المكتوب: مسلّحو «طالبان» يغزون الصفحات الأولى من جديد، أخبار باكستان والنزاع المستمرّ مع «المتمردين الإسلاميين» تحتلّ أغلب المانشيتات في موازاة أخبار الأزمة المالية. التحقيقات عن القرى الأفغانية وإبراز الوجه السيئ لحكم «طالبان» عاد ليطوف على السطح مرفقاً بأخبار عن إصرار أميركا على «إعادة إعمار أفغانستان وإنمائها كجزء من حملتها العسكرية». هكذا، وبعدما «احتلّت» العراق الصفحات الأولى على مدى ستّ سنوات، عادت أفغانستان وباكستان لتمثّلا قبلة الإعلام الأميركي الجديدة. حرب إعلامية يعاد خوضها على الصعد كلها. إلى جانب تعزيز المراسلات الصحافية من «أراضي العدو»، لم تتورّع الصحف الأساسية عن بث بروباغندا حربية لإعادة الثقة في دور الجنود الأميركيين الموجودين في ميدان المعارك بعدما تهشّمت صورتهم كثيراً في عهد جورج دبليو بوش.
من إسلام أباد، وعلي أباد، وكابول، وميدان شهر، وبيشاور... تكاد لا تخلو الصفحات الأولى لـ«نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«لوس أنجلس تايمز» من تقارير موقّعة عن الوضع الأمني في تلك المناطق، إضافة إلى كميّة من التحقيقات تتناول بعض النواحي الاجتماعية، وخصوصاً في المناطق الخاضعة لحكم «طالبان». وعلى رغم التفاوت في درجات «الالتزام» بالحملة هذه، لم تفلت أي صحيفة يومية أساسية من الخضوع للتغيير المطلوب. على مدى أسبوع، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» يومياً أخباراً على صفحاتها الأساسية تهدف إلى تسليط الضوء على الأوضاع المتأزمة في أفغانستان والسبب وجود حركة «طالبان» المسلّحة. كما سعت الصحيفة إلى إبراز تأثر باكستان مباشرة بذلك والتشديد على «قلق» الولايات المتحدة من الوجود الطالباني المتزايد في البلدين. وتضمنت تلك المقالات: تغطيات لحوادث أمنية «تهدد الاستقرار في باكستان»، تقارير من المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، تحقيق عن استغلال «طالبان» للفوارق الاجتماعية في باكستان وآخر عن تدمير حركة «طالبان» لمدارس الفتيات في أفغانستان... كل ذلك مرفق بصور نشرت على الصفحة الأولى لمسلّحين ملثّمين «يفتحون» مناطق جديدة أو عناصر من طالبان يقفون أمام جثّة شرطي أفغاني، أو صور لنساء وفتيات يرتدين البرقع. إضافة إلى الشقّ الإخباري، خصصت «نيويورك تايمز» في خانة التعليقات والرأي منبراً للمواطنين الأفغان يطالبون فيه إدارة أوباما «بتسويق مبادئ الديموقراطية في أفغانستان وحمايتها كوسيلة لهزم القوى القامعة في البلاد».
لم تكتفِ الصحيفة بواجبها الإخباري الموجه إلى العالم الخارجي فحسب، بل توجهت إلى القرّاء الأميركيين معتمدةً أسلوب البروباغندا الكلاسيكية. إذ نشرت على موقعها الإلكتروني تقريراً بالصوت والصورة عن إحدى العمليات العسكرية «الباسلة» في جبال أفغانستان الوعرة. جنود أميركيون سود وبيض يحملون السلاح ويعبرون «بشجاعة» أحد الأنهار الجارية، ثم يربضون خلف أحد المتاريس، ويقفزون عن هضبة مرتفعة... نبرة «بطولية» جليّة في وصف أداء الجيش الأميركي رغم خلوّ الشريط من أي مشاهد لمواجهة فعلية مع العدو. وقد تزامن بث الشريط (لا يزال موجوداً على الموقع الإلكتروني) مع إرسال الإدراة الأميركية 17 ألف فرقة عسكرية جديدة إلى الجبهة الأفغانية.
ذلك التغيير الإعلامي الحاصل يلاحظ أيضاً في السياسة التحريرية لـ«واشنطن بوست» و«لوس أنجلس تايمز» لكن بنبرة أخف مع الاحتفاظ بالمضمون نفسه كتخصيص «واشنطن بوست» مثلاً الفقرة الحوارية الأسبوعية أخيراً لموضوع بعنوان «إنقاذ الإسلام من طالبان».
ماذا عن الجبهة الثانية المفتوحة في العراق؟ أخبار بلاد الرافدين لا تزال تتابعها الصحف الأساسية بدقة. «نيويورك تايمز» مثلاً لا تزال تحتفظ بـ«مكتب بغداد» كفقرة ثابتة في صفحاتها الدولية الإلكترونيّة. لكنّ العراق لم يعد أولويّة خبرية إلا في حال حدوث خرق أمني أو انفجار ضخم. من جهة أخرى، يلاحظ ظهور ترويسات بعنوان «مغادرة العراق»! هل تصدّق الصحف هذه المرّة بشأن العراق المحتلّ أو هو مجرّد وهم إعلامي مشغول؟