ليال حداد على شاشة «الفيوتشر» كان سعد الحريري يجيب عن أسئلة ممالئة من بعض الصحافيين بعدما قرأ نصّ مؤتمره الصحافي، حين راح جميل السيّد، على «المنار»، يشقّ طريقه صوب منزله وسط حشود المحتفلين بـ«تحريره». وصل إلى الميكروفون ليُلقي خطاباً ناريّاً، مباشراً وصريحاً، ينتهر فيه الحريري الابن، ويطالبه بأن يطلق سراح جثّة أبيه الشهيد من سوق المتاجرات السياسيّة. الساحة الإعلاميّة اللبنانيّة لن تكون على حالها بعد إطلاق الضباط الأربعة. صفحة جديدة من الحياة السياسيّة فتحت أمس، وأطلقت الألسن... وكالعادة الإعلام ـــــ التلفزيون تحديداً ـــــ هو الحلبة النموذجيّة لتلك المواجهة. هنا قيل الكثير، مباشرة على الهواء.
بدأ كلّ شيء عند الثالثة من بعد ظهر أمس، حين نطق قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال فرنسين، القرار المنتظر منذ ثلاث سنوات وسبعة أشهر و٢٧ يوماً. عبارة واحدة من فرنسين كانت كفيلة بإطلاق سراح جميل السيّد وعلي الحاج ومصطفى حمدان وريمون عازار... وقلبت المشهد السياسي اللبناني. كانت الأنظار موجّهة إلى «أخبار المستقبل» التي لم تتردّد سابقاً في ابتكار كليبات تتّهم فيها الضباط بالضلوع في الاغتيال، أبرزها «وحياة اللي راحوا ما بترجعوا». لكن الشاشة الزرقاء فضّلت اعتماد نوع من المهنيّة في التعاطي مع الحدث، واكتفت بنقل وقائع تلاوة القرار. ولم يختلف المشهد على LBC وMtv.
بالطبع، لم تكن الصورة مشابهة على باقي المحطات، وإن تفاوتت تغطيتها. «المنار» تفرّدت بخبر «بدء إجراءات إخلاء سبيل الضباط الأربعة» حتى قبل تلاوة القرار، وانتشر مراسلوها في منازل الضباط. إنّها اللحظة الإنسانية التي انتظرها المشاهد أكثر من القرار السياسي. ألعاب نارية، بكاء و«زلاغيط». زوجة جميل السيّد تركض في المنزل، تقبّل الأقارب. كريمة ريمون عازار تحضن طفلتها، ولا تطلب شيئاً سوى ملاقاة والدها... بينما احتلّت سمر، زوجة اللواء علي الحاج الشاشات: بكت وذكّرت وليد جنبلاط بأنّها لا تذرف الدموع إلا فرحاً.
تلك اللحظات الإنسانيّة ركّزت عليها أيضاً «الجديد»: من سجن رومية إلى البيوت الأربعة، تنقّلت الكاميرا راصدة المواقف العائلية والسياسية. بينما فضّلت OTV أن تقتصر تغطيتها على استضافة الشخصيات السياسية. فضائياً، واكبت «الجزيرة» و«العربية» الحدث ونقلتا تلاوة قرار إخلاء السبيل، وتوزّع مراسلو القناتين في مختلف أرجاء «أرض الحدث». ضيوف «المنار» كانت نبرتهم عالية. وئام وهّاب وناصر قنديل وميشال سماحة... لم يوفّروا اتهاماتهم، وكانت اللغة الفجّة أحياناً التي لا تخدم دائماً الاستقرار الأهلي، سيّدة الموقف في يوم رفع الضيم. فارس خشّان ومروان حمادة وحسن صبرا وأحمد جار الله أخذوا نصيبهم من الاتهامات... أما عقاب صقر، فكالعادة قال على «العربيّة» الجملتين اللتين ستجعلان منه نجم اليوم: قرار إخلاء السبيل لا يبرّئ الضباط الأربعة، بل يقول إنّ المعطيات غير كافية لاعتقالهم.