لم تعد القوّات الإسرائيلية وحيدةً في الاعتداء على الإعلاميين الفلسطينيين. إنعكس الصراع الداخلي بين «فتح» و«حماس» على السلطة الرابعة التي تدفع فاتورةً باهظة قوامها بين الضرب والتهديد والشتم والاعتقال

مصطفى مصطفى
انتهاك حقوق الصحافيين الفلسطينيين والتضييق على حرياتهم، لم يعودا مهمة تقتصر على الاحتلال الإسرائيلي، إذ إنّ عنصراً ثالثاً دخل على الخطّ محوّلاًَ مهنة الإعلامي الشاقة أصلاً في فلسطين إلى جحيم يومي، وصار هو يدفع فاتورة الصراع بين «حماس» والسلطة الفلسطينية. وليست الممارسات التي وقعت بحقّ الإعلاميين خلال عدوان غزّة سوى خير مثال على ذلك، بل منذ شهرين فقط، سمحت «حماس» بإعادة إدخال جريدة «الأيام» ــ المقرّبة من السلطة الفلسطينية ــ إلى غزة.
منذ «اتفاقية أوسلو» ومع تأسيس «السلطة الوطنية الفلسطينية» عام 1993، بدأ تسجيل حوادث انتهاك بحقّ الإعلاميين من السلطة وأجهزتها الأمنيّة كالاستخبارات والأمن والوقائي. وإن كان العدوان على غزة قد أدى إلى استشهاد خمسة صحافيين فلسطينيين على يد قوات الاحتلال وجرح آخرين، فإن انتهاكات أخرى فلسطينية يمكن رصدها اشتدت وتيرتها أخيراً بعد ما سمّي «الانقسام الفلسطيني» والصراع بين حركتَي «فتح» و«حماس».
تعرّض الإعلاميّون الفلسطينيون، لاعتداءات في الضفة الغربية على أيدي الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ضمن حملة قمع المسيرات الجماهيرية للتضامن مع غزة انسجاماً مع موقف السلطة في رام الله وخوفاً من اندلاع انتفاضة ثالثة. راوحت هذه الانتهاكات بين الضرب كما جرى مع مصوّر وكالة Associated Press في رام الله مجدي أشتية، والتهديد والشتم الذي تعرّض له مراسل صحيفة «القدس» نجيب فراج خلال تغطيته تظاهرة في بيت لحم، والاعتقال كما حصل مع مراسل جريدة «الأهرام ويكلي» خالد عمايرة في 18 كانون الثاني (يناير) الماضي، من جهاز الأمن الوقائي في الخليل بحجّة «التحريض والإساءة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، والأجهزة الأمنية وإثارة الخلافات الداخلية».
لكن هذه الانتهاكات بحقّ الحريات الصحافية دخلت مرحلةً جديدةً بعد «انقلاب غزة» بلغة السلطة أو «تحرير غزة» بلغة «حماس» في تموز (يوليو) 2007. من وقتها، مُنع التلفزيون الرسمي الفلسطيني التابع لـ«سلطة رام الله» من بثّ برامجه من غزة، كما منعت حكومة «حماس» صحيفتي «القدس» و«الأيام» من دخول القطاع «لأنّهما تحرّضان الغزاويين على الحركة». وفي المقابل، منعت سلطة رام الله تلفزيون وإذاعة «الأقصى» التابعتَين لـ«حماس» من بثّ برامجها من الضفة، وأغلقت مكاتبهما وسحبت تراخيصهما. كما منعت توزيع صحيفتي «الرسالة» و«منبر الإصلاح»ـــ باعتبارهما ناطقتين بلسان حال حكومة «حماس» ـــ فيما قام الطرفان باعتقال وتوقيف عدد من الصحافيين من دون أية مسوّغات قانونية.
ومما فاقم الاعتداء على حقوق الصحافيين، غياب أي دور لنقابة الصحافيّين في التصدي لهذه الانتهاكات أو حتى مجرد إصدار بيانات استنكار. تلك النقابة لا تبدو أكثر من «جسم سياسي لحركة فتح» حسب وصف أحد الصحافيّين. وقد ألغت حكومة «حماس» فرع نقابة الصحافيين في غزة، وأنشأت «كتلة الصحافي» بديلاً عنها. وطالبت الصحافيين باستخراج بطاقة صحافية من وزارة الإعلام ليتمكنوا من مزاولة مهمّاتهم في القطاع، الأمر الذي رفضته سلطة رام الله مؤكّدة أنّ البطاقة الصحافية المعتمدة هي الصادرة فقط عن نقابة الصحافيين.
وكان لافتاً في السنوات الأخيرة محاولة «حماس» استعارة نموذج «حزب الله» الإعلامي من خلال إنشاء قناة «الأقصى» التي كان يُفترض أن تؤدّي دوراً شبيهاً بدور محطّة «المنار» اللبنانية. ورغم أن «الأقصى» هي الذراع الأقوى للحركة، فإنّ نصيبها من المشاهدين لم يتمّكن من تخطّي نسبة مشاهدي غريمتها أي فضائية «فلسطين»، وخصوصاً في الضفة الغربية. كذلك عجزت الحركة عن تأسيس أي صحيفة مكتوبة تحظى بنسب قراء عالية. إذ تبدو أغلب الصحف الناطقة باسمها أقرب إلى المنشورات الحزبية والتعبوية لا ترقى إلى المستوى المهني المطلوب.
ولعلّ أفضل توصيف لوضع الصحافة الفلسطينية المنقسمة على ذاتها ما عبّر عنه تقرير «لجنة حماية الصحافيين» لعام 2008. إذ عاد إلى انفجار قنبلة أودت بحياة ستة جنود على شاطئ غزة في تموز (يوليو) الماضي، ما أدّى إلى موجات من الاعتقالات لأنصار «فتح» و«حماس» في الضفة والقطاع. وكان من بين الذين شملتهم الاعتقالات صحافيون احتُجزوا لأسابيع أو أشهر عدة. وأعرب التقرير أيضاً عن قلقه بسبب استهداف صحافيين فلسطينيين يعملون في وكالات الأنباء الأجنبية. وأبرزها اعتقال الأجهزة الأمنية التابعة لـ«حماس»، سواح أبو سيف وهو مساعد مصوّر يعمل لدى التلفزيون الألماني ARD بينما كان في منزله في تل الهوى. وكان اعتقال أبو سيف قد جرى بعد انفجار في جنوب قطاع غزة، بحجة الاشتباه بانتمائه إلى «فتح»!


عدوان غزة

لم يمرّ العدوان الأخير على غزة على خير بالنسبة إلى الصحافيين. بعدما منعت قوات الاحتلال المراسلين الأجانب من الدخول إلى القطاع، قصفت عدداً من مراكز وسائل الإعلام وأبرزها مقرّ إذاعة وتلفزيون «الأقصى» في 28 كانون الأول (ديسمبر). وفي الثالث من كانون الثاني (يناير) قصفت صحيفة «الرسالة» الأسبوعية ومطبعة «الرنتيسي» التي تطبع فيها الصحيفة. أما الاعتداء الذي أثار ردود فعل دولية، فكان قصف «برج الشروق» الذي يضم مكاتب وكالات إعلامية عربية وعالمية منها وكالة «رويترز» وقناة «أبو ظبي» و«العربية» وتلفزيون «الجزائر».