صور النجوم تملأ المجلات الفنيّة، والجوائز بالجملة، والجمهور آخر مَن يعلم: مهرجانات السينما في مصر تنبت كالفطر، بينما مهرجان الدولة الوحيد يتخبّط في أزماته المالية والإدارية
محمد عبد الرحمن
مَن يرَ الصورة من بعيد، يَخَلْ أنّ صناعة المهرجانات السينمائية في مصر في أعلى مستوى. كل أسبوعين، تتوالى الأخبار عن بداية مهرجان والاحتفال باختتام آخر. هكذا، يسمع كثيرون عن «أوسكار السينما المصرية» و«المهرجان الكاثوليكي للسينما» و«مهرجان جمعية الفيلم»، فيما يستعد «المهرجان القومي للسينما المصرية» للانطلاق الشهر المقبل. هكذا، تفرد المجلات الفنية صفحات لصور النجوم وهم يتسلّمون الجوائز ويشكرون المهرجانات. أحمد حلمي مثلاً شكر «المهرجان الكاثوليكي للسينما» الجمعة الماضي، لأنّها السنة الثالثة التي يحصل فيها على جائزته. حسناً حلمي فنّان له جماهيرية عريضة، لكن هل أفلامه قادرة على تمثيل مصر في مهرجانات عالمية؟ وهل حصل على الجائزة بعد منافسة شرسة؟ الواقع يؤكد أنّ ستة أفلام فقط من 48 عملاً في 2008 دخلت منافسة الدورة 57 للمهرجان الوحيد في مصر الذي يُشرف عليه رجال دين. كل المهرجانات المذكورة سابقاً تعاني من شدة المحلية، وتقام فقط بهدف تقييم إنتاج عام مضى، وهي عكس مهرجانات العالم، لا تحصل على أي عرض حصري. إذ ما زالت الأعمال الجيّدة تذهب إلى مهرجانات دولية وهي نماذج نادرة لا تكفي لرفع اسم مصر في مهرجاني القاهرة والإسكندرية اللذين يحملان طابعاً دولياً ويعانيان سنوياً مشكلات تنظيمية. بالتالي، مهرجانات مصر المحلية التي تقام في الظل تهدف فقط إلى الاحتفاء بالنجوم مع إهمال الجمهور عمداً. مهرجان «أوسكار السينما المصرية» تنظّمه مجلة «السينما والناس» التي خرجت من حسابات المطبوعات السينمائية المتخصصة منذ 20 عاماً على الأقل، وهي تصدر حالياً كل أسبوعين. لكنّ إدارة المجلة تعتمد على هذا المهرجان للحصول على دعم إعلامي قبل أن يكون مادياً، فالمسألة غير مكلفة: حفلة صالة أحد الفنادق تؤجّر مجاناً، مع لجنة تحكيم تختار أفضل أفلام العام، وهي غالباً أفلام النجوم. ولأن أيّ مهرجان في العالم لا يمنح أكثر من 10 جوائز، فإنّ كسر هذه القاعدة ضرورة لتتحول الحفلة السنوية إلى حدث فني يجذب عدسات المصورين. في الدورة الأخيرة مثلاً، حصل عزت أبو عوف على جائزة تقديرية عن «مجمل أعماله»، فيما حصلت مطربة لبنانية لا يعرفها أحد في مصر هي فيفيان عازار على جائزة «أفضل فنّانة استعراضية». ولا تسل عن علاقة الجائزة بالسينما والأوسكار، لأنّ غناء المطربة مجاناً في الحفلة يجيب عن هذا السؤال، وهي القاعدة نفسها التي تطبقها إدارة المهرجان عندما تنظم في الغردقة «مهرجان أوسكار الفيديو كليب». الجوائز تتحدّد حسب قبول كل مطرب الغناء مجاناً أو استعداد المنتج لتمويل أنشطة المهرجان.
هذا الكلام لا ينطبق على «المهرجان الكاثوليكي للسينما» أقدم مهرجانات مصر. إذ تُؤَلّف لجنة تحكيم على أعلى مستوى. لجنة الدورة الأخيرة كانت برئاسة محمد خان. وهو يسمح للجمهور بمتابعة الأفلام والندوات، لكن المشكلة هي غياب معظم صناع الأفلام المشاركة وقلّة الأعمال في المسابقة. إذ إن المهرجان يقيّم الأفلام على أساس «أخلاقي»، وكل عمل يحوي مشاهد ساخنة أو يدعو إلى العنف أو ينتصر للشر لا يدخل المهرجان حتى لو حصل على سعفة «مهرجان كان». وهو ما يفسّر غياب «حين ميسرة» و«ألوان السما السابعة» وغيرهما من الأفلام عن الدورة الأخيرة. ويبرر أيضاً حصول ممثل كوميدي هو أحمد حلمي على ثلاث جوائز متتالية. وللأسف تتكرر في «الكاثوليكي» ظاهرة شهادات التقدير التي يحصل عليها الجميع حتى لا يشعروا بالغيرة. وفي النهاية نجد على خشبة المسرح في حفلة الختام أكثر من 40 شخصاً كلهم يحملون جوائز يصعب على الصحافيين رصدها بالكامل فيخرجون من الحفلة يسأل بعضهم بعضاً «هو فلان أخذ جائزة إيه»، «طب وفلانة جائزتها عن الفيلم ولا المسلسل»؟
أما «مهرجان جمعية الفيلم» فهو الوحيد الذي يحافظ على قواعده، لكنها قواعد تحجب عنه الأضواء. هو يعتمد على اختيارات النقاد لأفضل أفلام العام المنصرم. وبما أنّ الأفلام ذات المستوى الجيد هي التي تحصل على الجوائز، يتراجع الاهتمام الإعلامي بها، فمن يهتم بتغطية مهرجان أعطى جائزته الأولى لفيلم «جنينة الأسماك»؟
ويبقى «المهرجان القومي للسينما المصرية» الذي كان يعاني قبل ثلاث سنوات من إحجام المنتجين عن المشاركة، لكن زيادة الإنتاج أدت إلى إقبال الأفلام على المشاركة ما عدا بعضهم مثل محمد سعد، الذين يرفضون الدخول في منافسة لن تحقق أي جوائز. لكنه على أي حال المهرجان المحلي الوحيد الذي يتميز بإصدار كتب عن المكرّمين ويسمح للجمهور بمشاهدة الأفلام مجاناً، لكن كالعادة يغيب صناع العمل عن الندوات وهذه أبرز الصفات المشتركة بين مهرجانات الظل في مصر.