أمضت الأسبوع الأخير من حياتها في المستشفى ورحلت أمس عن 59 عاماً. ابنة البيت الفني بامتياز، سطع نجمها عام 1974 في مسرحيّة «سنكف سنكف»، لتبدأ مسيرةً فنيّة امتدّت على ربع قرن وجمعت بين الغناء والتمثيل
باسم الحكيم
«الأميرة زمرد» تنازلت عن عرشها ورحلت. سلوى القطريب أمضت الأسبوع الأخير من حياتها في غرفة العناية الفائقة في مستشفى «أوتيل ديو» إثر إصابتها بجلطة دماغيّة، ثم رحلت بعد ظهر أمس عن 59 عاماً. سلوى كانت قد غابت طويلاً عن محبّيها. انقطعت أكثر من ثماني سنوات عن المسرح والصحافة، مكتفيةً بتاريخ فنّي متميّز، صنعته مع الفنّان روميو لحّود (سلفها وصهرها). على امتداد ربع قرن تقريباً، وقفت سلوى على خشبة المسرح، كانت خلالها نجمةً استعراضيّةً محبّبة وخفيفة الظلّ، عند جمهور يدرك جيّداً أنّه عندما يقصد المسرح في عزّ الحرب الأهليّة، فإنّه سيتابع عملاً فنيّاً متكاملاً، ويشبع أذنيه من صوت سلوى وأصوات زملائها من فناني ذلك الزمن: عبدو ياغي وملحم بركات وغسّان صليبا وسمير يزبك وطوني حنّا والأمير الصغير. وسيمتِّع ناظريه بلوحات استعراضيّة غنائيّة ألّفها روميو لحّود، ونصاً دراميّاً أبطاله نجوم الغناء والتمثيل يومذاك، على رأسهم أنطوان كرباج. كذلك سيتعرف في الوقت نفسه، إلى آخر صيحات الموضة والأزياء التي كانت تصمّمها خصيصاً بابو لحّود (شقيقة روميو).
رغم قرارها الابتعاد عن الأضواء والمقبلات الصحافية، بذريعة أنّ «ما من جديد للتحدث عنه»، وخصوصاً أنها لم تشارك في السنوات الأخيرة، إلا في أداء التراتيل الدينيّة، تسنّى لنا إجراء مقابلة معها قبل رحيلها بثلاثة أشهر تحدّثت فيها عن كل شيء. تذكرت والدها الفنان الراحل صليبا القطريب، وتحدثت عن ابنتها ألين لحّود، وعن رأيها بالفن اليوم الذي تسمّيه بـ«الخزعبلات».
ابنة البيت الفني بامتياز، تتلمذت على يد والدها الذي كان أحد أبرز الفنانين في عصره، يغنّي الموشحات والأدوار الصعبة، وعنه ورثت ابنتاه سلوى وألكسندرا (عرفت فنيّاً باسم كوثر) وابنه فؤاد حبّ الفن. وحين تسألها عن تاريخ ولادتها، تسارع إلى الإجابة 17 أيلول (سبتمبر)، مكتفيةً بإجابة دبلوماسيّة تتهرب بها من ذكر عام مولدها، «الإنسان، يولد كل يوم، وما سنة ولادته سوى أرقام لا معنى لها على الهويّة». غاصت سلوى في الحديث عن تاريخ والدها الذي التقى في الثلاثينيات محمد عبد الوهاب والشاعر أحمد شوقي اللذين طلبا منه مرافقتهما إلى القاهرة، حيث شارك في فيلم «دموع الحب». غير أنّه فضل العودة إلى بيروت سريعاً. وكانت والدتها، فدوى جبّور، محبة للغناء والعزف. من هنا، نشأت سلوى على حب التراث الجميل.
هي فنانة المصادفة. لولا التقاؤها بروميو لحّود وإبداء إعجابه بموهبتها، ولولا عرضه عليها أن تكون بطلة مسرحه، لما عرفها الوسط الفني ولا الجمهور. انطلاقة سلوى القطريب جاءت من خلال مسرحية «سنكف سنكف» (1974) مع جورجينا رزق ورضا كبريت وألان مرعب وطوني حنّا الذي قدّم فيها أغنيته الشهيرة «من شردلي الغزالة»، بينما غنّت سلوى «خدني معك على درب بعيدة» و«طال السهر» و«حوّل يا خيّال اللّيل». شبّهت وقفتها الأولى على خشبة المسرح بوقفة الطالب الذي حضّر جيّداً للامتحان، وينتظر النتيجة. هكذا، كانت تنتظر لتعرف «مدى تجاوب الجمهور، ثم الأقلام الصحافية التي لا تجامل ولا تهادن». وحين سمعها الملحن محمد الموجي، عرض أن يلحن لها، غير أن الأوضاع الأمنيّة في البلد حالت دون هذا اللقاء. سلوى القطريب كانت بطلة المسرح الدائمة منذ عام 1974، وخصوصاً بعدما غابت الشحرورة صباح عن مسرح روميو لحّود. وسطع نجمها، في مسرحيّة «سنكف سنكف»، ثم في «بنت الجبل» (1977) مع أنطوان كرباج، «اسمك بقلبي» (1978)، ثم «الأميرة زمرد» و«أوكسجين» (1979) مع إيلي شويري، «ياسمين» (1980)، «سوبر ستار» (1982)، إضافة إلى «حكاية أمل» (1982) مع غسّان صليبا. وأعادت تقديم مسرحيّة «بنت الجبل» عام 1989 في كازينو لبنان، ثم قدمت الجزء الثاني من مسرحيّة «ياسمين» ضمن مهرجانات بعلبك عام 1998. وتعاملت سلوى خلال مسيرتها الفنيّة مع الراحل زكي ناصيف، في أغنيتي «ميجانا يابا ميجانا» و«وحدك يا عسكر لبنان» ومع إيلي شويري في أغنية «بلدك بلدي»، ومع ملحم بركات في أغنية «لا أكثر من غيري». كذلك غنّت «الورد جميل» لسيد مكاوي وموشح «خفيف الروح» لسيد درويش. رغم عشقها العمل مع روميو لحّود، لم تكن تخفي رغبتها في الوقوف على خشبة المسرح الرحباني. لكن لم يحصل أي لقاء من هذا القبيل. وحين عرض الأخوان رحباني عليها أن تعيد مسرحيّة «الشخص»، كانت حينها مشغولة بمسرحياتها ولم تتمكّن من السفر إلى الخارج للمشاركة معهما في «ساعة وغنيّة».

يُصلّى لراحة نفسها في الثالثة من بعد ظهر غد الجمعة في عمشيت. وتُقبل التعازي اليوم ابتداءً من الساعة العاشرة في كنيسة «سيدة العطايا» (الأشرفية)


نقمة على الوسط الغنائي

غابت سلوى القطريب طوعاً عن الساحة الفنيّة، بسبب نقمتها على الوسط الغنائي الذي لا يهتم إلا بالأغنيات الهابطة. وانسحبت بهدوء رافضة عروضاً لم تتوقف طوال السنوات الماضية. كذلك نجحت بإبعاد ابنتها ألين لحّود (الصورة) عن هذه الأجواء. في العامين الأخيرين، كانت تخطط لعمل استعراضي ضخم مع ابنتها والفنان روميو لحّود، غير أنّ الأوضاع الأمنيّة في البلاد، حالت دون تحقيق المشروع. وتبقى وصية سلوى التي أسمعتها مراراً لـ poupina، كما كان يحلو لها أن تنادي ابنتها، بأن تسير على خطاها، وتختار إطلالاتها بعناية لتظل نجمة ساطعة عند جمهورها.