بيار أبي صعبهناك أكثر من زاوية لتناول الضجّة التي أثارتها باكورة السينمائي اللبناني مارك أبي راشد. نقصد فيلم HELP (النجدة) الذي أقام الدنيا قبل أيّام ولم يقعدها حتّى الآن. الإعلام، في جزئه الشعبوي، كان السبّاق إلى محاكمة التجربة بعدما لفّق لها جرماً لم تقترفه، فاستدرج أجهزة الرقابة إلى الفخ البليد الذي نعرف: لقد سحب الأمن العام ـــ تحت ضغط المؤسسة الدينيّة ـــ تأشيرة العرض التي منحها بنفسه، «للراشدين»، قبل سبعة أشهر!
رائحة الفضيحة شمّها المتاجرون بحريّتنا، منذ اللحظات الأولى لانتهاء العرض الخاص بالصحافة في بيروت. راحوا يتنافسون على تضخيمها وتسويقها، فأغرقوا النقاش في مستنقع آسن... واستدرجوا العمل الفنّي، من دون مشاهدته غالباً، إلى الرمال المتحرّكة لما يعرف بـ«الأخلاق العامة». تلك الأخلاق، كما هو معروف، لها حرّاس كثر في لبنان وسائر ديار العرب. وهذه المرّة كان لـ«المركز الكاثوليكي للإعلام» أن يهبّ للدفاع عنها وحمايتها من تطاول العابثين... ويقرّر عنّا، مشكوراً، ما يجوز أو لا يجوز أن نُقبِلَ عليه من الأعمال الفنيّة والإبداعيّة.
تلك المهزلة المضكحة المبكية، تستحق معالجة مطوّلة على حدة، في وقت لاحق. ما يهمّنا التوقّف عنده، في يوم المرأة العالمي (غداً الأحد، 8 آذار/ مارس)، هو العنصر الأساسي الذي وضع النار في الهشيم. إنّها ممثلة شابة، تخوض هنا، بشكل مقبول، تجربتها الأولى في فيلم روائي طويل، تحت إدارة مخرج جريء يبدأ، هو الآخر، رحلته الاحترافيّة في الفنّ السابع. نلمحها عارية، طبقاً لما تسمح به المعايير القانونيّة، في مشهد حميم (ثلاثي، «يا لَهْوي!») مبرّر دراميّاً، ومشغول فنيّاً. وبرأي كثيرين كان للمشهد أن يمرّ، وللفيلم أن يجد طريقه إلى الجمهور... لولا تفصيل بسيط أشبعه الإعلام الرخيص استغلالاً، هو أن «الممثّلة العارية» كما صار لقبها اليوم، هي ابنة رجل مهمّ!
الفنانة الشابة أثارت الانتباه، وحرّكت شهيّة المتلصصين، وصارت «حديث الناس»، لمجرّد أنّها ابنة «أحد صقور 14 آذار» كما كتب مُخبر أخرق. وزاد زميل له موضحاً أنّ والد «الممثّلة العارية» مرشّح على لائحة وليد جنبلاط في عاليه، معتبراً أنّ ذلك يهمّنا كثيراً لفهم الفيلم والتفاعل مع خطابه وخلفياته الفكريّة والفنيّة. سرعان ما صار للفضيحة اسم: جوانا أندراوس. لم يعد الرأي العام مهتماً بتجربة مارك أبي راشد، بل بـ«ابنة النائب التي تعرّت أمام الكاميرا». هل نسيتم؟ المرأة ليست شيئاً وحدها. ليس لها وجود كفرد، ككائن قائم بذاته. لا بدّ أنّها زوجة أحد، أو أخت أحد، أو أمّ أحد، أو ابنة أحد. وعلى هذا الأساس نتعامل معها... ونحاسب هذا الـ«أحد» إن هي تاهت على دروب الخطيئة. طبعاً، ماذا تعتقدون؟ ابنة برلماني عارية، ليست مثل ابنة سائق تاكسي عارية! الآن صرنا نعرف.
ها هو الفنّ مرّة أخرى في قلب المجتمع وقلب السياسة وقلب المدينة. يأتي ليذكّرنا بأن الدفاع عن المرأة، ومساواتها بالرجل في الحقوق والفرص، في النصوص والنفوس، هو أيضاً الدفاع عن حريّتها في استعادة كيانها وجسدها من المؤسسة الذكوريّة، من العائلة والطائفة والرَّبع والعشيرة... لتصبح فرداً مستقلاً، من حقّه أن يختار ويتحمّل مسؤوليّة خياراته. جوانا اختارت بشجاعة، وتحمّلت مسؤوليّة خياراتها. ونحن نهدي هذا الملفّ، في يوم المرأة العالمي، إلى جوانا أندراوس.