سناء الخوريأن تقول «الجنس الثاني» يختلف عن قول «الجنس الآخر» أو «الجنس اللطيف» مثلاً. في عنوان كتابها المرجع الذي صدر منذ ستين عاماً، وجدت سيمون دو بوفوار التعريف اللامع. أعلنت الفيلسوفة أنّ جنس حوّاء ليس «الآخر» في إطار المفهوم الوجودي للكلمة، وأنّه لن يكون بعد اليوم جنساً لطيفاً، بل إنّه طبقة مسلوبة الحقوق ومسحوقة منذ عصور. إعلانٌ كهذا مسألة وعي طبقي، مع فرق بسيط: أنّ طبقة النساء نصف البشريّة.
نادراً ما يختصر عنوان كتابٍ كتاباً بأكمله، وفي حالة كتاب حبيبة سارتر «الضرورية» ـــــ في إطار المفهوم الوجودي للضرورة أيضاً ـــــ يختصر قرّاؤها ودارسوها بحثها المشوّق بجملة واحدة: «لا تولد واحدتنا امرأة، بل تصبح كذلك». ألف صفحة تتبّعت فيها بوفوار كلّ العلوم والنظريات حول جسد المرأة ووضعها النفسي والاقتصادي، وتاريخها منذ ما قبل التاريخ وحتّى الأربعينيات، يصعب أن تختصرها جملة أخرى.
المسألة أنّ تلك الجملة العجيبة تحوّلت إلى شعار للمراحل اللاحقة في النضالات النسوية، وبلغت ذروتها في السبعينيات، أي بعد 21 عاماً على كتاب «الكاستور» الشهير. لم يكن لكتاب بوفوار أي بعدٍ سياسي. إذ كانت الفيلسوفة الفرنسيّة «الوحيدة»، تقارع أساطير بناها الرجل حول المرأة، جاعلاً منها حيواناً حيناً وإلهةً حيناً آخر. قالت: «أنا إنسان، مثلك أيها الرجل وكفى». لكنّ جميلتنا حين انتقمت للنساء على عصور من القمع، بدت لبعضهم كأنّها تقول: «أنا رجل مثلك أيها الرجل وكفى». التفسيرات المتعددة لظاهرة «الجنس الثاني»، وإن اختلفت أو اتفقت على «عيار الأنوثة» الذي اقترحته بوفوار على معاصراتها والأجيال اللاحقة، لا تغفل أنّ الكتاب وما فيه عنصرٌ رهيب من تاريخ الفكر، واكتشاف خطير لصاحبته، يشبه في «علم النسويّة»، تفاحة نيوتن في علم الفيزياء. قد يكون بالأحرى «البيان رقم واحد» لثورات كبيرة في حياة النساء حول العالم، على رغم أنّ بوفوار كانت تبغي وهي تضع فكرته الأولى، كتابة سيرتها الذاتية، وإذا بها تجعل من السيرة محاولة في الفلسفة.
وإذا كانت بعض النسويات في الغرب يعتبرن أن صراعهنّ قد تخطّى صراع «الجنس الثاني» بستين سنة، يبقى السؤال كيف يمكن للمرأة العربيّة ولسيّدات العالم الثالث مقاربته اليوم. يبدو أن بوفوار ستجد جمهوراً غفيراً بين طبقة الحريم في القصور، وفي أحياء الهامش، على الشاشات وفي المطابخ. طبقة تسأل إن كانت ستبقى «حرمة» ستين دهراً آخر!