فيلم «واحد صفر» الذي سبقته ضجّة اعلاميّة، واحتجّت عليه الكنيسة المصريّة، يعيد الاعتبار في النهاية إلى ملايين النساء في الشارع المصري... وينقل إلى الشاشة الكبيرة معاناة المرأة ومشاكلها في المجتمع
محمد عبد الرحمن
ليست نيللي كريم طبعاً المحجّبة الأولى التي تحصل على دور البطولة في فيلم مصري. لكنّ شريط «واحد صفر» نجح في تقديم نموذج جديد عن هذه المرأة. هكذا، نجد حجاب كريم مختلف كثيراً عمّا قدّمته فنانات أخريات ظهرن بغطاء على الرأس في السنوات الأخيرة. وكانت أبرزهن منى زكي في «سهر الليالي» وياسمين عبد العزيز في «صايع بحر» وحلا شيحة في «كامل الأوصاف». «واحد صفر» الذي كتبته مريم نعوم ووقّعته المخرجة كاملة أبو ذكرى قدّم ثماني شخصيّات من صميم الواقع المصري. غير أنّ اللافت هذه المرة هو أنّ الأدوار الذكورية لم تثر الاهتمام على رغم تألّق خالد أبو النجا وأحمد الفيشاوي وحسين الإمام. إذ خطفت إلهام شاهين ونيللي كريم ومعهما الممثلة انتصار، التي تظهر أيضاً في أغلب أدوارها بالحجاب، وزينة كلّ الأنظار، بسبب قدرتهنّ على تجسيد شخصيات تشبه المجتمع المصري المعاصر. هكذا نجد أن الكاتبة والمخرجة نجحتا في مقاربة الواقع اليومي بقالب شبه حقيقي، وهو ما لم تنجح به التجارب السينمائية والدرامية السابقة التي لامست الواقع بتردّد من دون أن تجرؤ على تخطّي القاعدة العامة التي تقضي بالتركيز على الجمال.
ولدى الغوص في أحداث الفيلم تتّضح الصورة أكثر: ها هي ريهام (نيللي كريم) تجسّد دور الممرضة الفقيرة جداً التي تدور على البيوت لإعطاء الحقن للمرضى، مرتديةً الخمار لا الحجاب، ومحاولةً من خلاله تأكيد عفتها وبراءتها. ولعلّ صراع ريهام مع نظرة المجتمع إلى المرأة تتفاقم عندما تختار شقيقتها زينة أو نانا ترك المنزل بحثاً عن الشهرة والمال من خلال الفنّ المثير والغناء «السكسي». وتزداد معاناة الممرضة الفقيرة حين تجد والدتها راضيةً بعمل شقيقتها وفرحةً بالأموال التي بدأت تنهال عليها.
تتسارع الأحداث لتؤكّد نظريات علماء الاجتماع المصريين تجاه ظاهرة الحجاب التي لا تعتمد برأيهم فقط على الدين. ها هي ريهام اختارت الحجاب إيماناً لكن أيضاً تماشياً مع ظروفها الاجتماعية والاقتصادية. وهذه الشخصية الواقعية المنتشرة في مصر كانت تحتاج إلى شجاعة لتقديمها، وهو ما توافر في صناع هذا الفيلم. إذ استفادوا من شجاعة الشخصيات النسائية مثل صاحبة الحجاب الثاني في الفيلم أي انتصار. وتختلف قصة هذه الأخيرة عن ريهام، فالحجاب هنا هو مجرّد غطاء للرأس وضعته امرأة بحثاً عن احترام المجتمع. احترام فقدته بسبب عملها الذي يسخر منه المصريون وهو «البلانة» أي المرأة التي تجهّز العروس ليلة زفافها. لكن حجابها سيكون مجرّد شكل، إذ إنّ القسم الأكبر من شعرها سيظلّ ظاهراً وهو ما يعرف بالحجاب... التايواني تماشياً مع القاعدة المصرية التي تقول بأنّ كل ما هو تقليد وغير أصلي هو ببساطة تايواني.
وتستمر شجاعة «واحد صفر» في تقديم أول شخصية لسيدة قبطية، هي نيفين (إلهام شاهين) التي تعاني الحرمان العاطفي وتدخل في علاقة «غير شرعية» لأنّ الكنيسة ترفض إعطاءها حق الزواج الثاني رغم حصول طليقها على هذا الحق. أما ذنبها فهو أنها هي من طلبت الطلاق بسبب سوء المعاملة.
وتجد المرأة نفسها في وضع حرج. هي غير قادرة على رفع دعوى قضائية ضد الكنيسة ولا تريد إشهار إسلامها بسبب المشكلات التي قد تواجهها مع حبيبها الجديد. وينتهي الفيلم من دون حل لأزمة نيفين. هكذا يكتفي الشريط بعرض أمر واقع يعلمه الجميع في مصر مسلمين ومسيحيّين.
وبالعودة إلى الأعمال السينمائية التي عالجت هذ الموضوع سابقاً، نجد أنّ الأقرب هو «بحب السيما» الذي قدّم شخصية سيدة تعاني الكبت بسبب تزمّت زوجها المسيحي، لكنّ الأحداث كانت في الستينيات والبطلة صارت متزمّتة بعد وفاة زوجها. وهنا نجد الفرق: «واحد صفر» تخطى التابو بتوجيه انتقادات هي الأولى للكنيسة المصرية التي تعتبر حق الزواج الثاني أمراً غير مقبول رغم معاناة آلاف الرجال والسيدات.
المفارقة في كل ما سبق أنّ الفيلم من إنتاج جهاز السينما وهو جهة إنتاج تابعة للدولة. وإن دل هذا الأمر على شيء، فهو أنّ صدام رجال الدين مع الشريط لن يستمر، ببساطة لأن الكنيسة لن تنتقد وزارة الإعلام المموّلة للجهاز.
ويجدر أيضاً الانتباه إلى أنّ «واحد صفر» قد يكون فتح الباب أمام معالجة قضايا المجتمع المصري على الشاشة الكبيرة. إذ يرى كثيرون أنّ واقعية أفلام مثل «حين ميسرة» و«حسن ومرقص»، وإن قاربت الواقع، فهي لا تعكس رغبة صنّاع العملين في تقديم المشكلات كما هي على أرض الواقع. وذلك إما بسبب الإصرار على استخدام سياسة الصوت الزاعق كما فعل خالد يوسف في «حين ميسرة» أو تقديم القضية بحساسية شديدة مع الاحتفاظ بقدر كبير من الكوميديا كما حدث في «حسن ومرقص».


المنقّبات على الشاشة

يبدو أن الانتقادات التي وُجّهت للقنوات الدينية السلفية بسبب منع النساء من الظهور على شاشاتها حتى لو ارتدين الحجاب لم تفلح في إقناع أصحاب هذه الشاشات بأنّه لا إعلام يعتمد على الرجال فقط.
لكنّ قناة «الحافظ» قرّرت السماح للنساء بظهور ولكن ... بالنقاب. هكذا، منحت الفرصة لعدد من المنقبات بهدف تقديم ثلاثة برامج صباحية هي «مقرأة النساء» و«آيات وأبيات» و«البيت القرآني». التجربة جديدة من نوعها تستهدف بالطبع صاحبات النقاب والخمار من الجمهور. أما نجاحها، فيعتمد على قدرة أصوات المذيعات المجهولات على جذب السيدات، بشكل يوفّر دخلاً إعلانياً للقناة.