محمد عزاقير كان اللبناني الوحيد الذي فاز بإحدى جوائز المنظمة على مدى 54 عاماً. ما هي المعايير المعتمدة لاختيار الفائزين؟ وهل المنظمة حيادية حقاً في اختيارها للصورة الرابحة؟
صباح أيوب
في هذه الفترة من العام، ينتظر مصوّرو العالم نتائج المباراة السنوية التي تنظمها WPP التي لا تزال تكرّم الصورة الصحافية وتمنح الجوائز منذ 54 سنة. وعلى رغم توجيه عدد من الانتقادات التي تطال أداء المنظمة وكيفيّة اختيارها الصور الفائزة، إلا أن الجائزة السنوية باتت عنواناً رمزياً ومرتقباً لوكالات الصور والأنباء والصحف اليومية والمجلات من مختلف أنحاء العالم.
لكن كيف تأخذ منظمة عالمية على عاتقها مسؤولية انتقاء صورة واحدة بين آلاف الصور من بلدان العالم؟ ما هي المعايير المعتمدة لاختيار الفائزين؟ وهل المنظمة حيادية في مجمل أعمالها؟ كيف يُفسَّر إذاً غياب مصوّرين عرب عن لوائح الفوز على امتداد السنين؟
بمجرد إلقاء نظرة على أرشيف «المنظمة العالمية للصورة الصحافية»، يمكنك أن تستعيد، عبر الصور الفائزة، تاريخاً من الأحداث واللحظات التي طبعت ذاكرتنا منذ 1955 حتى اليوم: ها هو الضابط الفيتنامي، بالأسود والأبيض، يطلق رصاصة من مسدسه على رأس أحد المشتبه في انتمائهم إلى «الفييت كونغ» عام 1968. وها هي العائلة الفلسطينية تهرب بين الانفجارات من مخيم الكرنتينا في بيروت عام 1976، وها هو المتظاهر في ساحة تيانمان الصينية يقف أمام صفّ الدبابات التابع لجيش التحرير الشعبي (1989) وغيرها... أما في السنوات الأخيرة، فقد اشتهرت صورة الوالد المسجون مع ابنه في أحد المعتقلات الأميركية في النجف العراقية (2003)، وصورة المرأة المنتحبة بجانب جثث القتلى في سريلانكا بعد كارثة تسونامي (2004)... وفاز أنطوني سيو مصوّر مجلة «تايم» الأميركية أخيراً بجائزة صورة عام 2008 بعدما التقط بعدسته لحظة دخول أحد عناصر الشرطة الأميركية منزلاً للتأكد من إخلاء سكّانه له بعد الأزمة الاقتصادية التي طالت قطاع العقارات في أميركا.
المنظمة التي تأسّست في أمستردام (هولندا)، تنظّم عملها عبر هيئة تنفيذية وهيئة مراقبة ترتبط بشبكة مراسلين ومصوّرين ووكالات حول العالم. لكن «عالمية» انتشار المنظمة وتمويلها المستقلّ، كما تفيد على موقعها الإلكتروني، لم يبعدا عنها شبهة الانحياز والخضوع لضغوطات النافذين ومصالح السوق. مَن يراقب لائحة الفائزين بجوائز المنظمة منذ 1955، يلاحظ شبه سيطرة لمصوّري وكالة «أسوشييتد برس» ومجلة «تايم» الأميركية على عرش الصور الرابحة، وخصوصاً في السنوات العشر الأخيرة. «هذه الجائزة ليست لنا» يقول معظم المصوّرين اللبنانيّين الذين يشارك بعضهم في المباراة منذ أكثر من 15 سنة ولا يزالون يرسلون صورهم كل عام «لإثبات وجودهم» على الساحة الصحافية في مجال الصورة.
واللافت أنّ معظم الصور الرابحة مأخوذة من أرض الحدث العربي أو الآسيوي أو الأفريقي لكن بعدسة أجنبية، وفي أغلب الأحيان أميركية تابعة لوكالة أنباء أو صحيفة معروفة و«نافذة». كيف تفسّر الـWPP ذلك؟ «المنظمة ليست معهد أبحاث إعلامية، والأمر يعود للصورة والتقييم الإعلامي ورأي المؤرخين»، هكذا يجيب فيكتور مالافيف من قسم الصحافة والاتصالات التابع للمنظمة. ويشرح لـ«الأخبار» أنّ اختيار الصور الرابحة التي تنضوي تحت 10 فئات، يعود إلى لجنة التحكيم التي تفتّش عن «القيمة الخبرية والتفرّد في رؤية الحدث والتقاطه من زاوية مميزة».
ترفض المنظّمة التعليق على أي صورة فائزة انتقتها، وهي تعيد المسؤولية إلى لجنة التحكيم التي تختار المنظمة أعضاءها «بشكل يحترم التعددية والمهنية» كما يوضح الموقع الإلكتروني. ويوضح مالافيف أنّ WPP تحرص على أن تتكوّن اللجنة الفاحصة من أعضاء من مختلف بلدان العالم، وينتمون إلى مدارس تصويرية مختلفة وفئات الصورة كلها مع احترام تعدد الأعمار والأجناس. رغم ذلك، يلفت بعض المطّلعين على عمل اللجان النظر إلى خضوع الحكم النهائي لمعايير متعلّقة بالمصالح المشتركة ونفوذ بعض الوكالات الأجنبية والمؤسسات الإعلامية البارزة، وخصوصاً الأميركية والفرنسية منها. ما يبرر غياب رابحين عرب أو من دول العالم الثالث عن لوائح الفائزين. يذكر أنّ المصوّر اللبناني محمد عزاقير فاز بإحدى جوائز المنظمة عام 2005 عن صورته من موقع انفجار موكب رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في بيروت، وهي الجائزة الوحيدة التي منحت للبناني حتى الآن. هل انضمت تلك الجائزة العالمية إلى لائحة الألقاب التي تسيطر عليها مجموعات تجيّر الربح والشهرة إليها؟ مهما كان الجواب، تبقى الصورة بحدّ ذاتها الشاهد الوحيد على الأحداث والتاريخ، لذا فنجاحها غير مرتبط بلجنة أو تحكيم أو جائزة.