مؤتمر رسمي للشعر وآخر خارج الوصايةمحمد شعير
تشهد القاهرة غداً الافتتاح الرسمي للدورة الثانية من «مؤتمر القاهرة للإبداع الشعري» الذي ينظمّه «المجلس الأعلى للثقافة»، ويستمر ثلاثة أيام. في المقابل أعلن الشعراء الشبّان المعترضون على سياسات المؤسسة الرسمية في مصر إقامة مؤتمرهم البديل أو «ملتقى قصيدة النثر» بمشاركة شعراء عرب في التوقيت ذاته. إنهما ليسا مجرد مؤتمرين للشعر، يقامان في القاهرة في توقيت واحد، بل تعبير علني عن صراع مكتوم بين الأجيال والاتجاهات الشعرية المختلفة. صراع قد يكون بدايةً لاستعادة أرض خسرها الشعر طوال السنوات الماضية لمصلحة الرواية التي عدّها النقاد «ديواناً للعربالمعركة أكبر من مؤتمرات، بدايتها تعود إلى سنوات عدّة، حين شنّ أحمد عبد المعطي حجازي ـــ مقرر لجنة الشعر في «المجلس الأعلى للثقافة» ـــ هجومه الشهير على قصيدة النثر، مستبعداً في الدورة الأولى من المؤتمر شعراءها المصريين. ورداً عليه، نظّم عدد من المستبعدين «مؤتمر الشعر البديل». ومنذ إعلان تنظيم الدورة الثانية للمؤتمر، بدا واضحاً أنّه سيُستبعد شعراء قصيدة النثر، بل شعراء العامية أيضاً. وكان واضحاً أيضاً أنّ رئيس المؤتمر سيصفّي حساباته مع الشعراء الذين هاجموه بسبب كتابه عن قصيدة النثر أو «الشعر الناقص». ومن هنا، بدأت الخلافات بشأن المؤتمر مع بدء الإعداد له. رفض حجازي اقتراحات أعضاء لجنة الاعداد بأن تحمل هذه الدورة اسم أحد شعراء العامية (صلاح جاهين أو فؤاد حداد)، معتبراً أنّ شعر العامية مجرد «زجل». وكاد الشاعر سيد حجاب يستقيل من اللجنة، لولا اعتذار حجازي. ورفض الأخير أن تحمل الدورة اسم محمود درويش، معتبراً أنّ حصوله على جائزة الدورة الأولى كان تكريماً كافياً له. لن يشهد المؤتمر سوى أمسية يلقي فيها بعض الشعراء قصائد مهداة إلى الشاعر الراحل. الأمر نفسه بالنسبة إلى أبي القاسم الشابي الذي تحتفل تونس حالياً بمئويّته، استبعده حجازي مصرّاً على أن تحمل الدورة اسم خليل مطران. ما دفع بعضهم إلى التساؤل عن العلاقة بين مؤتمر اختار منظّموه أن يحمل عنوان «الشعر الآن» وتركّز محاوره على فكرة «الشعر والمستقبل»، فيما تحمل الدورة اسم شاعر يعدّه النقاد «حلقة وصل بين المرحلة الكلاسيكية في الشعر العربي والمرحلة الرومانسية». في كلّ الأحوال، سيسمح هذا الاختيار لحجازي بأن يطبع مختارات أعدَّها في السبعينيات لشعر مطران، كي توزَّع ضمن منشورات المؤتمر.
كل هذه الخلافات دفعت بعض أعضاء اللجنة المنظّمة إلى الانسحاب، مثل فاطمة قنديل ومحمود الربيعي. وكانت الصدمة الأكبر اعتذار أدونيس عن عدم المشاركة لسفره إلى الصين، ثم سعدي يوسف وبول شاوول لأسباب صحية، ونزيه أبو عفش وسميح القاسم الذي رفض حجازي طلبه بتخصيص أمسية له منفرداً. وتتابعت اعتذارات الشعراء المصريين: عبد المنعم رمضان، محمد بدوي، فاروق جويدة، جيهان عمر، فاطمة قنديل، علي منصور، إبراهيم داوود، نجاة علي... لتقتصر المشاركات على 48 اسماً بينما كان المجلس قد خصّص ميزانية لاستضافة 100 شاعر من خارج مصر. ومن أهم المشاركين: سامي مهدي، أمجد سعيد، يوسف الخطيب، المتوكّل طه، عز الدين المناصرة، ابتسام المتوكل، محمد عبدالسلام منصور، علوي الهاشمي، محمد علي شمس الدين، جودت فخر الدين، جوزيف حرب، عبد القادر الحصني، سيف الرحبي... ومن مصر: فاروق شوشة، محمد سليمان، محمد إبراهيم أبو سنة، شيرين العدوي، حسن طلب، سيد حجاب، جمال الشاعر...
وفي مواجهة هذه التظاهرة الرسميّة، وجد الشعراء الجدد أن الحلّ هو إقامة ملتقى بديل وفق الشاعر فارس خضر، أو ملتقى لقصيدة النثر حسبما اقترح محمود قرني، قبل أن ترسو الفكرة على إقامة «ملتقى قصيدة النثر» في التوقيت ذاته. وجّهت الدعوات إلى عدد من شعراء قصيدة النثر العرب، وقد استجاب نحو 20 شاعراً سيحضرون على نفقتهم الخاصة. فيما طلب بعضهم توجيه دعوات رسمية إليهم كي يتمكنوا من الحصول على تأشيرة، فكان التفكير في تأسيس «بيت الشعر المصري» كما أكد لنا الشاعر فارس خضر: «نحن لسنا مؤسسة، بل مجموعة من الأفراد. اقترحنا أن يكون لنا كيان مستقل يمكننا من خلاله إقامة مؤتمراتنا الشعرية من دون وصاية». والطريف أن أحمد عبد المعطي حجازى أعلن أن مؤتمره سوف يشهد إعلان تأسيس بيت للشعر المصري، بعدما تبرع وزير الثقافة بأحد المنازل الأثرية (بيت الست وسيلة) لهذا الغرض. الوزير كان قد تبرع بالمكان لهذا الغرض منذ أربع سنوات، ولم تُتّخذ أي خطوة لتفعليه، لكن يبدو أنّ المبادرة الشبابيّة حرّكت الأمر قليلاً.
جلسات «ملتقى قصيدة النثر» سوف تقام في نقابة الصحافيين، وتتخلّلها كلمات للناقد عبد المنعم تليمه، والباحث نبيل عبد الفتاح، فضلاً عن كلمات اللجنة التنظيمية يلقيها فتحي عبد الله ومحمود قرني. وسيتضمن الملتقى خمس أمسيات شعرية يشارك فيها 25 شاعراً وشاعرة من مصر والعالم العربي، بينهم: إبراهيم داود، ياسر الزيات، حسن نجمي، علاء خالد، يحيي جابر، لينا الطيبي، فارس خضر، سالم العوكلي، علي حبش، عزمي عبد الوهاب، هالا محمد، صبحي موسى، علي المقري، علي منصور، ياسر شعبان، كريم عبد السلام، فاطمة قنديل، فتحي عبدالله، حسين جلعاد، يوسف بزّي، محمد مظلوم. وسيتضمن الملتقى أربع ندوات أبرزها واحدة بعنوان: «قصيدة النثر المصرية الآن».

حجازي لن يتوّج نفسه أمير الشعراءوبما أن الجائزة لا تُمنح للمعتذرين عن عدم المشاركة في المؤتمر، فهي ستكون حتماً من نصيب أحد الشعراء المصريين، وخصوصاً أنّ جائزة الدورة الأولى ذهبت إلى الراحل محمود درويش، علماً بأنّ هناك عرفاً سائداً يقضي بأن تمنح الجوائز في المؤتمرات التي ينظمها «المجلس الأعلى للثقافة» بالتناوب بين الأدباء المصريين وضيوفهم، ورغم انتشار شائعات عن الضغوط التي مارسها مقرّر لجنة الشعر ورئيس المؤتمر أحمد عبد المعطي حجازي كي يحصل هو على الجائزة، أو على الأقل كي يحدّد بنفسه أعضاء لجنة التحكيم، فإنّ تسريبات من داخل «المجلس الأعلى للثقافة» تستبعد الأمر... وتنفي أن يكون صاحب «مدينة بلا قلب» قد شارك في اختيار أي من أعضاء اللجنة.
ويؤكّد مصدرنا أن صاحب «لم يبقَ إلا الاعتراف» لا يستوفي الشروط المطلوبة، فقوانين جائزة الشعر (المستوحاة من جائزة الرواية) تشترط ألّا يكون الفائز قد توقّف عن الكتابة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
بورصة التكهنات ترشّح الشاعر محمد عفيفي مطر بقوّة للحصول على الجائزة التي تُعلن في ختام المؤتمر، أي يوم 18 آذار (مارس) الحالي، وتبلغ قيمتها 100 ألف جنيه (حوالى 33 ألف دولار).
وتذهب التكهّنات أبعد، إذ يتردد أنّ شعر العامية سيتوّج على عكس رغبة رئيس المؤتمر.
وقد طرح بعضهم اسم الشاعر عبد الرحمن الأبنودي لمصالحة شعراء العامية مع المؤتمر بعد تصريحات حجازي ومواقفه الجارحة بحقّهم (راجع المقالة الرئيسيّة أعلاه).