مؤتمر الشعر البديل» اتّسع العام الماضي لشعراء العاميّة والتفعيلة. أما «ملتقى النثر» فيتّسم بالانعزال، لأن منظِّميه لا يستطيعون «المحاربة على كلّ الجبهات»
محمد خير
«نحن لسنا سلطة، لسنا مؤسسة، فلماذا يهاجموننا كأننا كذلك؟». كان هذا هو التساؤل الأبرز لمحمود قرني في حديثه لـ«الأخبار». ابن جيل الثمانينيات الذي أصدر ديوانه الأول في التسعينيات، يشارك في لجنة من 6 شعراء تشرف على تنظيم «الملتقى الأول لقصيدة النثر» (15ــ17 الحالي). أما أولئك الذين يهاجمون إدارة الملتقى «كأنّها سلطة»، فيُقصَد بهم «شعراء نثر العامية المصرية» الذين استُبعدوا عن المشاركة. يدافع قرني عن موقف الملتقى «إشكاليات نثر العامية عديدة، ونحن بإمكاناتنا المحدودة غير قادرين على «الحرب» على كل الجبهات، لكنّنا نتضامن مع حق شعراء العامية في الوجود والتمثيل»!
لكن مشكلة التذرع «بإشكاليات قصيدة نثر العامية» أنّها إعادة إنتاج لموقف الدولة الرسمي من قصيدة النثر نفسها. والمفارقة أنّ «مؤتمر القاهرة للإبداع الشعري» الشهير بـ«مؤتمر حجازي» تجاوز ـــ ولو من باب ذرّ الرماد ـــ موقف رئيسه المعروف من النثريين، ودعا بضعةً منهم للمشاركة، وإن اعتذروا وفضّلوا المشاركة في ملتقى النثر. وفي وقت قد يُفهم فيه إقصاء تيار شعري لتيار آخر ـــ التفعيليين للنثريين أو العكس ـــ فإن استبعاد نثريّي الفصحى أقرانهم من كتّاب العامية المصرية أثار هواجس الاستعلاء التاريخي الذي لم يبد أن شعراء النثر تخلصوا منه، أو هكذا ينبئ عدم تخصيص، ولو أمسية يتيمة للعامية خلال الملتقى.
«كان قراراً ديموقراطياً»، هكذا يقول الشاعر فارس خضر عضو اللجنة التي تدير الملتقى. يتابع: «أنا كنت مع مشاركة العامية، بل وكل تيار آخر على غرار «مؤتمر الشعر البديل» الذي أقيم العام الماضي. لكن أغلبية أعضاء اللجنة رأت أن العامية قضية كبيرة يفضّل أن يتولاها شعراؤها».
المفارقة أنّ «مؤتمر الشعر البديل» تأسس العام الماضي بمبادرة من جيل السبعينيات (عبد المنعم رمضان وحلمي سالم)، وأيضاً بغرض مواجهة المؤتمر الرسمي، وفي الموعد نفسه. وقد شارك فيه شعراء عامية وتفعيلة، لكنّ هذه أطياف استُبعدت من الملتقى الحالي، بما فيها السبعينيون. أما التفعيليون فيبدو عدم اشتراكهم طبيعياً في ملتقى «للنثر». ويبقى نثريّو اللهجة العامية الذين اختطوا إنجازهم الموازي لما يعرف بجيل التسعينيات في مصر، مع ميزة أنهم انفردوا بين العاميّات العربية بإدخال تقنية النثر في اللغة المحكية. وذلك ما لا يراه فارس خضر كافياً: «ما زالت الأصوات المميزة قليلة في نثر العامية، إلى درجة قد تهدد إمكان توفير عدد كافٍ يمثّل ذلك النوع في الملتقى». تصريح أقرب إلى فخّ هرب منه محمود قرني الذي أقر بوجود أصوات مميزة كثيرة تحتاج إلى «وجود شعري ونقدي كثيف في ملتقى لا يتحمل قضيتين كبيرتين».
المشترك في تصريحات قرني وخضر هو نظرية «نصف الكوب الملآن»، فالملتقى «أحدث حراكاً حقيقياً»، إذ يقدّم خمس أمسيات يشارك فيها 60 من شعراء النثر المصرييّن والعرب وأربع جلسات نقدية مطولة. من هذه الزاوية، فالملآن هو أكثر من نصف الكوب. لكن استبعاد العامية دفع بعض شعرائها إلى البدء في الإعداد لمؤتمرهم المستقل الذي قد يقام في الصيف المقبل، ما يطرح تساؤلاً لا يتعلق فقط بعلاقة الفصحى بالعامية، بل بمدى نجاح الأدوات النثرية في توسيع الفارق بين القصيديتين أو تضييقه. وإن أقام شعراء العامية مؤتمرهم بالفعل ـــــ الفكرة اقترحها الشاعر عبد الرحيم يوسف ـــــ فإنّ انفصالاً أكبر سيترسخ على أسس غير مبشرّة. إذ يفترض بقصيدة العامية المنثورة أن تكون أقرب إلى نظيرتها الفصيحة، منها إلى العامية التقليدية. ويبدو من «المغالاة التخصصية» إن صح التعبير، أن نشهد يوماً إقامة «ملتقى نثر العامية»!
هذه المرّة سبق السيف العذل. هل يتغير الوضع في الأعوام المقبلة، فيفسح الملتقى مكاناً للعامية طرفاً؟ يتعلق ذلك بمدى نجاح الملتقى واستمرار دعمه. وفي كل الأحوال، قد يبدو صحيّاً ومثمراً أن تشهد قصيدة النثر العربية مؤتمراً مستقراً، وإن استمر استبعاد عامية تعوّدت على ذلك طوال تاريخها.