زياد عبدالله ليست كلّ الإعلانات تجاريّة، بعضها يقول «خود Break، خود كيت كات» وأُخرى تهبط عليك من عليائها وهي تقول بالحسنى «خود Break، خود موعظة» أو «هذه حياتي هذا ديني». وإن كنت نسيتَ الأخلاق الحميدة، فما عليك إلا مشاهدة إعلانات توجيهية دينيّة تقوّي قريحتك على فعل الخير وتعيدك إلى جادة الصواب، تَخرج عليك من بين لحوم «مكدونالدز» الحلال 100% أو «كوكا كولا» الممزوجة بماء تطهّر الروح والجسد.
لا تهتمّ كثيراً بالنواحي الفنية ومدى رداءة الحوار وتكلّفه، بعضها لا يتفوّه بكلمة مع أنّه يقول كل شيء، كأن تشاهد شاباً يشتري كنزة حمراء لناطور البناية التي يسكنها، بعد معاناته في إيجاد المقاس المناسب. وعليه يقدّم لنا الإعلان عبرةً تقشعر لها الأبدان: عليكم يا معشر الشباب أن تتعطّفوا على هؤلاء المساكين لتنعموا براحة الضمير. وهذا ما يكون عليه الشاب الذي نراه خلف مقود سيارته تجتاحه الفرحة، كما لو أنّه وضع حداً للفقر في العالم، فهذه حياته وهذا دينه ولا شيء آخر. وهذا أيضاً ما يحدث مع شاب يساعد عجوزين تائهين يوصلهما إلى الباص، أو يُحجم عن «خناقة» مع شبان «زعران» رغم أنّه لاعب كاراتيه لا يشقّ له غبار. إذ نراه بأم العين يحطّم بقبضته الأحجار بضربة واحدة، لكنّه أحجم في وقت سابق عن «الزعرنة»، فهذه حياته وهذا دينه.
هذه أمثلة سريعة لموجة متلاطمة من الإعلانات التوجيهية التي تطفو على MBC وغيرها من المحطات الخليجية وتضبط الشباب متلبّساً لتُبعده عن ممارسات قد تتناقض مع الدين الحنيف وتُجنّبهم الموبقات التي لا يعرفون عنها شيئاً. هناك مَن هو أعلم منهم، وهو بالتأكيد موجود في الجهة المسؤولة عن الإعلانات... كأنّ لسانَ حالها يقول: سلّموا أنفسكم لنا ولن يكون جزاؤكم إلا الجنّة، ولتكن الحياة نسخةً طبق الأصل عن الدين. وإذا واجهتم مواقف لم نعرضها في إعلاناتنا بعد، فلا تأتوأ بأي حركة، إنّنا قادمون لنجدتكم!
وعليه سنرى في إعلانات أخرى شباناً يخوضون كل السجالات المدهشة: سيخلصون مثلاً إلى أنّ الدراسة في بلاد «الفرنج» ضرورية، وذلك عندما يكونون في المطار يراقبون شاباً ذا هندام «كوول» عائداً إلى وطنه. هم أجمعوا أنّهم لن يلبسوا مثله، لكنّهم سيأخذون فقط ما يفيدهم من الغرب ألا وهو العلم... ويمكنكم إضافة ولو في الصين إن شئتم!
في هذه الإعلانات، المنتَج أو السلعة هي الأخلاق، والمتلقي أو الـ Target Audiences هم الشباب العربي الذين يدمغهم خطاب تلك الإعلانات ذات المقاربة الساذجة، بشيء واحد هو «الجهل» والغوغائية، مع الإصرار على قتل العفوية وتحويل التصرفات الإنسانية الطبيعية إلى حسنات، لا دافع للقيام بها إلا الدين. وكل ذلك بالارتكاز على جملة ناظمة أو one single minded «هذه حياتي، هذا ديني».
لعلها تقليعة دينية جديدة تتخطّى «الشيوخ المودرن» و«الكوول». إنّها تزاوج الدين مع القيم الاستهلاكية، وتقدّم الموعظة كسلعة فاشلة.