ندوة «الرقابة على الكاريكاتور وطرق مواجهتها» التي نظّمها مركز «سكايز» أمس اقتصرت على شهادات قصيرة متحفّظة لم تخلُ من التناقضات
ليال حداد
حاولت ندوة «الرقابة على الكاريكاتور وطرق مواجهتها» التي نظّمها مركز «سكايز» أمس، في الجامعة الأميركية في بيروت، فتح نقاش بشأن موضوع الرقابة على الكاريكاتور وسبل مواجهتها. لكنّ هذا اللقاء اقتصر على أربع شهادات قصيرة لأربعة رسّامين هم سعد حاجو (سوريا / لبنان) وعبد الرحيم ياسر (العراق) وعمرو سليم (مصر) وخالد الهاشمي (البحرين)، فيما غاب يوسف عبدلكي (سوريا) وبيار صادق (لبنان).
اللافت أنّ التجارب لا تتشابه على عكس ما قد يتخيّل بعضهم. الرقابة تختلف باختلاف البلدان العربية. إذ يتفنّن «الرقيب» ـــــ أكان سلطة سياسية أم دينية ـــــ في خلق أساليب مبطّنة أو حتّى مباشرة لقمع الحريات تحت ستار «إثارة النعرات الطائفية» أو «تهديد الأمن القومي»...
شهادات رسّامي الكاريكاتور بدت خجولة، أو متحفّظة. على رغم الضغوط التي تعرّض لها عمرو سليم مثلاً، وخصوصاً عندما قرّر انتقاد «احتلال» عائلة مبارك لشاشات التلفزة، أصرّ على أنّ الوضع في مصر حالياً أفضل ممّا كان في عهد جمال عبد الناصر أو أنور السادات «اليوم يستطيع الجميع انتقاد النظام الحاكم لكن من دون التطرّق إلى اسم مبارك شخصيّاً»! هكذا، شطب عمرو سليم سجلّ الدولة الحافل في قمع حريّة التعبير، وليس آخرها الحملة «المسعورة» على المدوّنين القابعين وراء القضبان بالعشرات بمجرّد التفوّه باسم الرئيس. كذلك، كان عبد الرحيم ياسر متساهلاً ولم يتطرّق إلى أنواع الرقابة الموجودة حالياً في العراق، بل فضّل استعادة ما قاساه الرسّامون على يد صدام حسين. وحين سأله الكاتب الياس خوري عن الأوضاع في الوقت الراهن، أجاب «اليوم لا يوجد صحافيون أو رسّامون معتقلون بسبب آرائهم». وإن كان انهيار النظام العراقي السابق قد أتاح فعلاً انتعاشة في المشهد الإعلامي العراقي، فإنّ سياسة تكميم الأفواه ما زالت مستمرّة في ظل غياب أي تشريعات تحمي أمن الإعلاميين الذين راحوا يمارسون نوعاً من الرقابة الذاتية. ويكفي تقرير «مراسلون بلا حدود» الذي أشار إلى أنّ 225 صحافياً لقوا حتفهم منذ 2003. هذه الرقابة الذاتية تحديداً هي ما تحدّث عنها خالد الهاشمي. إذ أعلن أنّه مع وضع ضوابط على الرسم والكتابة «من دون أن يشوّه ذلك العمل الفني» (ألا تعدّ الضوابط ـــــ مهما كانت صغيرة ـــــ شكلاً من أشكال الرقابة؟). ولعل ذلك عائد إلى ما قاساه الهاشمي من ضغوط بسبب أعماله. هو لم يكن يتوقّع مثلاً أن رسماً عن مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي سيسبّب له كل هذه المتاعب: كان ذلك في عام 2005، عندما خرجت تظاهرات شعبية مندّدة طالبته بالاعتذار وتلقّى الهاشمي العديد من التهديدات.
في لبنان، بدا الوضع مختلفاً. لم يذكر سعد حاجو أي حادثة صادفته بل ذكّر بمقالة كتبها ولم تبصر النور «لأسباب مجهولة».
إلا أنّ الخلاصة الأبرز لم يعلنها المشاركون في الندوة بل أحد الحاضرين الذي لخّصها بعبارة واحدة «انتهى عصر الرقابة التقليدية وبدأ عصر الرقابة الشعبية: في مصر، ازدادت الحريات لكنّ حسني مبارك لا يزال هنا مذكّراً الجميع بحضوره في أي وقت يختاره. والحكومة العراقية الحالية تنادي بالحرية لكن الاحتلال موجود ولا يترك فرصةً إلا ويذكّر بذلك». ابتسم الجميع، وهزوا رؤوسهم موافقين: ماتت الرقابة... عاشت الرقابة.