منذ أفلامه القصيرة الأولى، اختار المخرج إيلي خليفة اللون الكوميدي، ربما الضحك هو أكثر ما يحتاجه الناس في لبنان ولكنه أصعب ما يمكن العمل عليه سينمائياً. ليس سهلاً أن تضحك جمهوراً مشهوراً بإلقاء النكات حتى على مصائبه. في «يلا عقبالكن»، يُخرج خليفة للمرة الأولى فيلماً لا يكتب قصّته، لكنه وجد في سيناريو نيبال عرقجي، كاتبة ومخرجة فيلم «قصّة ثواني»، ذكاء في حبك المواقف الكوميدية.
يقارب خليفة عادةً الأوضاع الاجتماعية في أعماله والقصص التي تجري في لبنان بسخرية. يعتبر أنّ البلد مليء بالمشاكل، والمعالجة ضمن إطار كوميدي قد تكون أكثر تأثيراً. في «شكراً ناتيكس» (1998 ـ بطولة رفيق علي أحمد)، يبدّل التلفزيون الذي يدخل حياة عائلة قروية بسيطة، من حال أفرادها ويغيّر تصرفاتهم. وفي «تاكسي سرفيس» (1996) يقود سائق تاكسي زبونه، ويستمع إلى قصّته الغريبة قبل أن يكتشف أن المكان الذي يقصده هو «مستشفى الأمراض العصبية». الفيلمان كانا من إنتاج مشترك لبناني سويسري. بعدها، اتجه خليفة إلى الإنتاج الذاتي في «فان اكسبرس» (2004)، فكان المخرج، والكاتب والمنتج والمصوّر أحياناً. يصفها بالتجربة المتعبة، ويذكّر بالمجهود الذي يبذله المخرج كي يبحث عن تمويل ويصنع فيلماً في لبنان.
صورة بيروت في
الفيلم مختلفة تماماً عن صورتها في
«فان اكسبرس»

بعد ستّ سنوات، كتب وأخرج مع الكسندر مونييه الفيلم الروائي الطويل «يا نوسك» (2010). قصة عاطفية بين رودي السويسري (سيغفريد تابورتان) صاحب مطعم بيتزا في لبنان ومنى الفتاة التي تعمل في مطعمه وتلعب دورها زينة دكّاش.
لكن في التجربة الجديدة «يلا عقبالكن»، يرتاح خليفة من كثير من المهمات. لا يكتب، لا ينتج ولا يهتم بالتوزيع، وهذا يمثّل فرقاً بالنسبة إليه لأنه يتفرّغ للإخراج. الجديد الذي وجده في سيناريو «يلا عقبالكن» هو كثافة الحوار الذي يصفه لـ «الأخبار» بالمضحك والمكتوب ببراعة. يقول: «عندما أكتب، أُكثر من الحوار لأنني اعتمد على المواقف المضحكة أكثر من اعتمادي على المحادثات». ويضيف أنه أحبَّ جرأة السيناريو وأراد الذهاب به إلى الآخر «فلنحكِ كل شيء، بالحوار والحركات والتمثيل».
الجديد الأهم في تجربة خليفة هو القسم الثاني من الفيلم الذي يحمل متغيّرات وأحداثاً تحصل مع كلّ شخصيّة في الفيلم، فتصبح المواقف حزينة وعليه أن يتعامل معها كمخرج للمرة الأولى. اعتمد خيارات خطرة في القسم الأول، كأن تكلّمنا ياسمينا (دارين حمزة) مباشرة وتنظر إلينا (الى الكاميرا)، لتعرّفنا عن نفسها وعن الشخصيّات الأخرى وعن معاناتها، بأسلوب ساخر. إلا أنّ خليفة اضطر لتعديل خياره في القسم الثاني مع تغيّر المجريات وانتقال الحدث إلى كل قصة في الفيلم وعدم حصره بياسمينا.
عن الكاستينغ، يقول خليفة إنّ نيبال عرقجي اختارت الوجوه التي شعرت بأنها مناسبة للأدوار. لكن بعدما اتفق معها على إخراج الفيلم وبدأ بالتمارين التي دامت أسبوعين ونصف الأسبوع مع الممثلات، قدّم وجهة نظره و»شقلب الأمور قليلاً» أكان في الأدوار أو السيناريو. باختصار، يقول خليفة إنّ الطبخة كلّها تمّت خلال التمارين.
أما عن صور المدينة التي تعيش فيها الشخصيّات، فيقرّ خليفة بأنّ بيروت محصورة بالأماكن التي تتنقل فيها الشخصيات، أي أماكن عملها، شققها الفخمة، ونادي السباحة الذي تلتقي فيه دائماً خلال مجريات الفيلم الذي تجري أحداثه في الصيف. ليس هناك احتكاك أو مواقف تتعرّض لها الشخصيّات خارج إطار البيئة الصغيرة التي تعيش فيها. «تتنقل الفتيات في الأماكن التي يعرفنها، لا يضعن في المدينة. وهناك الكثير في لبنان ممّن لا يتنقلون كثيراً حتى بين منطقة وأخرى». ويضيف خليفة أنّ صورة بيروت في هذا الفيلم مختلفة تماماً عن صورتها في فيلمه «فان اكسبرس» التي ظهرت فيها العاصمة متسخة ومخيفة بأزقتها وأبنيتها.