الرجل الأشهر في كواليس السينما العالميّة، بدأ ناقداً قبل أن يتولى رئاسة «مهرجان كان» العريق في 1977، جاعلاً منه «قلعة سينما المؤلّف»
عثمان تزغارت
إنّه إحدى الشخصيات الأكثر نفوذاً في كواليس السينما العالمية. بدأ صحافياً ثم ناقداً سينمائياً، قبل أن يتولى رئاسة «مهرجان كان» في 1977، ليحوّله من تظاهرة ذات طابع سياحي وتجاري، إلى أشهر مهرجان للفن السابع. تلك هي المغامرة التي يستعيدها جيل جاكوب (1930) في مذكراته الصادرة حديثاً «ستمضي الحياة كالحلم» (منشورات «روبير لافون» ـــ باريس).
قبل 60 سنة، بينما كان عائداً مع جان جينيه من عرض فيلم «ماكبث» لأورسن ويلز، أسرّ جيل جاكوب إلى صاحب «معجزة الورد»: «أعتزمُ لاحقاً التفرّغ للكتابة. فردّ جينيه بحماسة: كم هي جميلة هذه الفكرة!». يكاد قارئ هذه المذكرات يتأسف لأنّ حب السينما سرق جاكوب من الأدب. لم يُصدر سوى رواية يتيمة هي «ذات يوم، ذات نورس» (1964). لكنّ مذكراته التي استغرقت كتابتها خمس سنوات، تبرهن أنه لم يفقد شيئاً من تلك الموهبة الأدبية. يروي جاكوب كيف اكتشف حبّ الفن السابع، وهو في الـ 12، حين وقعت يداه على أعداد قديمة من مجلة Cinévie. وقد كان يومها مضطراً ــــ بسبب أصوله اليهودية ــــ للتخفّي في قبو تحت الأرض خلال الحرب العالمية الثانية، بعد إلقاء القبض على والدته في نيس وترحيلها إلى معتقلات الإبادة النازية.
رغم تلك الظروف الدرامية التي اكتشف في خضمها السينما، رأى جاكوب السينما دوماً مرادفاً للخفّة وحب الحياة. بعد التحرير، ارتبط مبكراً بأقطاب «الموجة الجديدة» قبل ميلادها سينمائياً. إذ كان كلود شابرول زميله على مقاعد الدارسة، بينما ضمّت مجلة Raccords السينمائية ـــــ أسّسها جاكوب، سنة 1949 ـــــ محرّراً شاباً اسمه... فرانسوا تروفو!
في 1964، أصدر كتابه الأول «السينما العصرية». وفي السنة ذاتها، التحق بمجلة cinéma 64 ناقداً سينمائياً، ثم انتقل إلى Nouvelles littéraires سنة 1968، فـ L’express سنة 1971. وبعد أربعة أعوام، فصله مدير الـ «إكسبرس» جان ــــ جاك سيرفان شريبر، لأنّه كتب منتقداً رائعة جوست جاكين Histoire d’O! ما مهّد لانضمامه إلى إدارة مهرجان «كان» عام 1976. وفي 1977، تولى منصب المفوّض العام للمهرجان. وسعى فوراً إلى منحه بصمة خاصة، جعلت منه «قلعة مستقلة لسينما المؤلف». حقّق للمهرجان استقلاليته المالية عن وزارة الثقافة وشرّع أبواب المسابقة الرسمية أمام سينمائيين منشقّين أو مثيرين للجدل، فهرّب من بولندا فيلم «رجل الرخام» لأندريه واجدا (1977)، ثم احتضن رائعة فرانسيس فورد كوبولا Apocalypse Now (السعفة الذهبية ــــ 1979).
يستعيد جاكوب في مذكراته كيف تكرّس ذلك التقليد على مدى السنوات الثلاثين الماضية. ما منح «كان» فرادته، وجعل منه «عرس السينما العالمية». ويروي الكثير من الوقائع والأسرار والمقالب: صلات الصداقة التي ربطته بسينمائيين كبار من تروفو إلى فيلليني، ومن سكورسيزي إلى الأخوين كوين. نزوات النجوم والنجمات والصراعات السرية التي تدور في الكواليس، كالمعضلة الغريبة التي واجهتها إدارة المهرجان، عام 1991، حين أصرّ رئيس لجنة التحكيم، رومان بولنسكي، على منح جميع جوائز المهرجان إلى الأخوين كوين عن رائعتهما Barton Fink. في نهاية المطاف، استطاع جيل جاكوب إقناع لجنة التحكيم بمنح الفيلم ثلاث جوائز فقط. ولتفادي تكرار تلك الأزمة، اضطرت إدارة المهرجان إلى تعديل قانونه لمنع منح أكثر من ثلاث جوائز لفيلم واحد.
أما عن المقالب التي صادفته، فيحمّر جاكوب خجلاً، حين يتذكّر حرجه الشديد حين كُلّف سنة 2002، تسليم جائزة «فارس الفنون» الفرنسية إلى النجمة شارون ستون: عبثاً حاول أن يغرز إبرة الوسام الصغيرة في قميصها! ما اضطره إلى أن يمسك بنهدها لتفادي أن تجرحها الإبرة، معترفاً بأن ذلك جعل وجنتيه أكثر احمراراً من الوسام الأرجواني. ما دفع ستون إلى احتضانه لرفع الحرج عنه، ليختم قائلاً: بالطبع، حين تحتضنك شارون ستون...