بيار أبي صعبترى لو أن ناجي العلي على قيد الحياة، ماذا كان ليرسم؟ منذ ذلك اليوم المقيت من تموز (يوليو) ١٩٨٧ حين أسكتته فوهة المسدس في حي تشلسي اللندني، ازداد الانحطاط وترسّخ التخاذل العربي. بات «الاعتدال» أمراً واقعاً، شرطاً لا بدّ منه لالتحاق العرب بالعصر! ازدادت وحشيّة الاحتلال وتواطؤ الديموقراطيّات الغربيّة معه... ماذا كان سيرسم في تمّوز ٢٠٠٦، وماذا كان سيرسم عن غزّة التي لم تفلت بعد المجزرة الأخيرة من قبضة سجّانيها، عرباً وصهاينة؟ نتصفّح الكتاب الذي أصدره ابنه خالد في دمشق، تحت عنوان «ناجي العلي» (توزيع: «الفرات» ـــــ بيروت، و«أطلس» ـــــ دمشق، ضمن مشروع سيضمّ أجزاءً لاحقة تجمع تباعاً كلّ رسومه المنشورة وغير المنشورة)، فنكتشف مندهشين أنّ ناجي قال كلّ شيء. كلّ واحدة من رسومه يمكن أن تنشر كأنّها أنجزت البارحة. إنّه البؤس العربي، لم يتغيّر، بل ازداد تفاقماً. لكنّها أيضاً عبقريّة ابن عين الحلوة الذي كان ينظر إلى العالم براديكاليّة الرائي. «دائماً يأتي من المستقبل»، كما يكتب الشاعر محمد الأسعد في تقديمه للكتاب.
حين آمن بعضهم بمحاولة السلام التي تلت أوسلو، كان ناجي يرعد غضباً ويوقّع رسوماً جارحة تخدش وجه السماء. وحين سقطت الأقنعة والأوهام، واكتشف كثيرون هول المهزلة، واقتنعوا بالتجربة أن إسرائيل لن تعيد الحقوق إلى أصحابها إلا مرغمة، بقوة المقاومة... كان ناجي بعيداً يضحك على متن غيمته. نعم، كل الذين تواطأوا على قتله كانوا يخشون تلك السخرية المدوّية التي حوّلته خطراً على «السلامة» العامة!
نعود إلى فاطمة الصامدة، إلى زوجها المواطن العربي كما رسمه، لنجد ذواتنا المقهورة حيث تركناها قبل ٢٢ عاماً. في زنزانته أمام لعبة الكلمات المتقاطعة يكتب مرادفات لمعنى السجن، أو يحصد بالمنجل كلمات الـ«أنا» المشرئبّة وقد كتب على قميصه «نحن». أو يجلس إلى برميل فارغ (نفط؟ متاريس الحرب؟) وقربه حنظلة، يسأله ذو الكرش الملتصق بالرأس: «أنت مسلم أو مسيحي... سنّي أو شيعي... درزي أو علوي... قبطي أو ماروني... روم كاثوليك أو روم أرثـ...؟». فيقاطعه: «أنا عربي يا جحش!».