قبيل احتفال تسليم «بوكر» إلى يوسف زيدان، فجّر الناشر المشاكس قنبلة معلناً انسحابه من «مجلس أمناء» الجائزة. لقد ضاق ذرعاً بـ«الشِّللية والطائفية والمحاباة»
حسين بن حمزة
استقال رياض نجيب الريس من مجلس أمناء جائزة «بوكر» العربية. والاستقالة نهائيّة، لم يعد عنها كما تمنّى عليه زملاؤه في المجلس، خلافاً لما تناقلته بعض الوسائل الإعلاميّة (بينها «الأخبار»)، على أثر اللغط الذي أثاره الناشر المشاكس. الاستقالة أربكت أجواء حفلة الاختتام في أبو ظبي، حيث أعلن فوز رواية «عزازيل» ليوسف زيدان.
حين استقبلنا الريّس في مكتبه، اكتشفنا أن الاستياء الذي دفعه لاتخاذ قراره لا يزال على حاله. هو يقرّ بأهمية الجائزة في تحفيز حال الرواية العربية، لكنه لا يُخفي أن ملاحظاته السلبية تراكمت منذ الدورة الأولى. أبرز هذه الملاحظات تمثَّلت بعدم استشارة مجلس الأمناء في اختيار لجنة التحكيم. اعترض الريس على بعض الأسماء، لكنه كتم ذلك لأنّ الجائزة في طور التأسيس، كي لا يُتَّهم بعرقلة إطلاقها. مرت السنة الأولى على خير. وتفاءل الريس بسنة ثانية يجري فيها تدارك الأخطاء، إلا أنه فوجئ بأن الأخطاء السابقة تضاعفت، بما يهدِّد صدقية الجائزة. هل اختيرت لجنة التحكيم من دون استشارة مجلس الأمناء مجدداً؟ يجيب: «لا. هذه المرة اقتُرحت أسماء وصوِّت عليها. لم يفُز الاسم الذي رشَّحتُه، لكني قبلت بالنتيجة الديموقراطية للتصويت».
أين المشكلة إذاً؟ «مجلس الأمناء ليس له دور محدد. إنّه واجهة لا أكثر. أعضاء المجلس ـــ العرب منهم تحديداً ـــ راضون بمعاملتهم كوجهاء ثقافة، لا كمساهمين فاعلين في الجائزة. شخصياً، لا يناسبني أن يقترن اسمي بجائزة لا وظيفة لي فيها». لكن ماذا حدث بالضبط في الدورة الثانية؟ «لجنة التحكيم لم تطلعنا على مداولاتها. حتى حين وصلنا إلى الاجتماع ما قبل الأخير الذي اختيرت فيه الأسماء الـ 16 في القائمة الطويلة، لم تقل لنا اللجنة لِمَ اختير هؤلاء واستُبعد الباقون. قلنا ربما زوّدونا بما يجري عند اختيار القائمة القصيرة، لكنّ تجاهلنا تكرر. والغريب أن لا أحد من الأعضاء العرب في مجلس الأمناء اعترض».
نقول له إنّ عدم اطلاع مجلس الأمناء على مداولات اللجنة، ربما كان من ضمن قواعد الجائزة: «قالوا إن مداولات اللجنة سرية. رغم ذلك، جمانة حداد، المديرة الإدارية للجائزة، كانت على علم بما يجري. أصلاً كان ثمة مبالغة في إبراز دور جمانة حداد، كأن المديرة الإدارية والجائزة شيء واحد. بالمناسبة، هي الوحيدة التي تتقاضى راتباً ومصاريف (70 ألف دولار) من الميزانية المخصصة للجائزة، بينما الأمناء لا يتقاضون شيئاً، ويسافرون في الدرجة السياحية، فيما يسافر المرشحون الستة ولجنة التحكيم في الدرجة الأولى. عيب أن يتحدث المرء في هذه التفاصيل... لكن من المخجل أن نضطر لدفع ثمن وجبتي الغداء والعشاء لأن الحجز شمل الفطور فقط!».
لماذا لم تُثِر هذه الملاحظات قبل إعلان النتائج في أبو ظبي؟ «أجَّلت الاستقالة. السلبيات ظلت تتراكم، لكني راهنت على تغيُّر الصورة، إلا أن تجاهُلنا كمجلس أمناء تجاوز كل منطق».
بين مآخذه الكثيرة، يشير الريس إلى أنّ يمنى العيد، رئيسة اللجنة، لم توضح لِمَ اختيرت «عزازيل»، وليس واحدة من الروايات الخمس الأخرى، فضلاً عن اختيار كاتب هندي ضعيف ليكون عريف حفلة الختام. ويستغرب أن تكون المديرة الإدارية المكلفة بجدول الأعمال غائبة عن اجتماع كان مخصصاً للبحث في حصيلة الدورة الثانية، وترشيح أسماء لجنة تحكيم الدورة الثالثة، بسبب مقابلة تلفزيونية. «ليس لدي خصومة مع جمانة حداد» يقول الريس ويضيف: «أنا أنتقد تقصيرها في عملها، وربط الجائزة باسمها. إنها تدعو من تشاء من الإعلاميين مثلاً، وتستبعد من تشاء. هل دعتكم في «الأخبار»؟». ويخلص الريّس بأسى إلى أنّ أمراض الثقافة العربية تسربت إلى «بوكر»، وتحديداً الأمراض اللبنانية: أي الشللية والطائفية والمحاباة. وختاماً، يُغالب استياءه: «أتمنى للجائزة أن تتلافى الفجوات في المستقبل، وأن تصبح احترافية وفوق الشبهات».