مَن يسوّق التنظيم الأصولي في العالم؟ من «يطبخ» تلك الأفكار الداعية إلى القتال؟ وماذا عن تلك الماكينة الإعلاميّة الضخمة؟ هذا ما حاول شريط عاصم الدفراوي الإجابة عنه
صباح أيوب
بين باريس ونيويورك ولندن وبرلين وتورونتو وأوسلو وطرابلس (شمال لبنان)، تنقّلت كاميرا المخرج المصري ـــــ الألماني عاصم الدفراوي متقصّيةً خلايا تنظيم «القاعدة» المسؤولة عن بروباغندا «الجهاد الكوني». مَن يسوّق «القاعدة» في العالم؟ من «يطبخ» تلك الأفكار الدينية ـــــ الترويجية الداعية إلى القتال؟ كيف انتشرت بسرعة وكثافة تلك المواقع الإلكترونية وأشرطة الجهاد الخاصة بالتنظيم الأصولي؟ ما سرّ نجاحها في استقطاب آلاف المتطوعين حول العالم؟ أسئلة كثيرة حاول شريط «شيفرة القاعدة» (إعداد وإخراج عاصم الدفراوي) الإجابة عنها. الوثائقي (52 دقيقة) الذي عرضته محطة arte أمس، درس أساليب الحرب الإعلامية التي يخوضها التنظيم الإرهابي متعقّباً بعض صنّاعها الذين وصفهم بـ«ملوك البروباغندا»، وراصداً جانباً من الحرب المضادة التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية. الشريط يزخر بالمعلومات والمقابلات مع متخصصين ومحلّلين سياسيين ومجاهدين أنفسهم. «القاعدة» وأسامة بن لادن اللذان باتا «كماركة الـ«كوكا كولا»» التجارية، حوّلا التنظيم الإرهابي إلى سلعة جذابة ترافقها حملة ترويجية كبيرة. يشير الشريط إلى أنّ التنظيم «نقل جبهة قتاله إلى الإنترنت». أفلام عن تفجير برجي التجارة العالمية، أفلام العمليات الانتحارية في العراق وبريطانيا، مشاهد ذبح المخطوفين في أفغانستان والعراق، أشرطة التدريبات في مخيمات «القاعدة» في باكستان وأفغانستان، خطابات أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وتعليماتهما كلّها على مواقع إلكترونية باتت تفرّخ بالمئات على الشبكة (أهمها موقع «السحاب»). وعلى الرغم من «بساطة» تقنياتها وتصويرها على أيدي «هواة»، تنجح هذه الأفلام الدعائية في إمرار الرسائل الدينية والسياسية إلى المهتمين حول العالم. ويكشف بعض المحلّلين في الوثائقي أنّه حتى في نوعية لباس بن لادن خلال إطلالاته (البزّة العسكرية، الزيّ الأفغاني التقليدي) واختلاف طول ذقنه ولونها، هناك شيفرة معيّنة تُمرَّر إلى المجاهدين. أضف إلى ذلك، الدلالات الدينية التي تكمن في استخدام بعض الرموز كالقرآن والأحصنة والكلاشنيكوف والعلم الأسود.
«شيفرة الجهاد» لم يكتفِ بعرض تلك المواقع، بل تعقّب بعض الخلايا التي «تجنّد» المجاهدين على الأرض، عبر الدروس الدينية المرفقة بتعاليم معادية لسياسة الغرب: من ضواحي لندن وتورونتو الكندية إلى أوسلو الاسكندنافية وأحياء طرابلس القديمة حيث يقطن عمر بكري. هو الذي «يشعر أنّه بين أهله وفي بيته» ويقوم ببثّ تعاليم بن لادن بين المواطنين وعلى الإنترنت (عبر موقعه «المهاجرون»). كيف تواجه الولايات المتحدة ـــــ باعتبارها المستهدَف الأول من تلك الحملات ـــــ تلك الحرب الإعلامية؟ يدخل الوثائقي إلى صفوف تدريب «خيرة الضبّاط الأميركيين» في أكاديمية «وست بوينت» العسكرية في نيويورك. هناك، نرى التلاميذ يمضون ساعات يشاهدون أفلام «القاعدة» الدعائية بهدف «فهم العدو» كما يقولون. صحيح أنّ «شيفرة الجهاد» تجنّب قدر المستطاع الكليشيهات وغاص في الحقائق وخلفياتها، إلا أنّه وقع ـــــ مثل بعض المحاولات الوثائقية السابقة ـــــ في مطبّ تحويل كل عربي أو مسلم يعيش في الغرب إلى مشتبه في صلته بتنظيم إرهابي ما.


يُعاد بثّه 14:40 من يوم الجمعة 10 نيسان (إبريل) المقبل