strong>بيار أبي صعبصالة «متروبوليس» تنبعث مجدّداً في حيّ الأشرفيّة، بتظاهرة على قدر من الأهميّة هي «شاشات الواقع» التي تقام للمرّة الخامسة في بيروت، وللمرّة الثانية بالاشتراك مع هانية مروّة، وصالة الفنّ والتجربة التي تكافح لجعلها محطّة لا بدّ منها في الحياة الثقافيّة اللبنانيّة. تنعقد هذه الدورة تحت شعار «الوفاء للواقع» هذه المقولة المستقاة من اجتهادات جان ـــ بيار رام، مدير «المهرجان الدولي للوثائقي» في مرسيليا، وهو هذا العام ضيف المهرجان في بيروت.
المهرجان الذي ينطلق بعد غد ويستمرّ عشرة أيّام، يقدّم فرصة نادرة لاكتشاف عدد من الأفلام الوثائقيّة من فرنسا وبلجيكا والبرازيل وفلسطين والجزائر والنمسا... معظمها صوّر بالـ35 ملم، مع بعض أعمال الفيديو بيتا كام والديفي كام. الأفلام الوثائقيّة نادراً ما تحظى بفرصة العرض، علماً أنّ هذا القالب أو الشكل الفنّي، يختزن مقدرة حقيقية في زمننا الراهن، على رصد أوجاع الإنسانيّة، وتساؤلاتها، ووجوهها المتعددة، وتطلعاتها المحجوبة غالباً. سنلتقي السينمائيّة الفرنسيّة الاستثنائيّة أنييس فاردا، في وقفة مع ذاتها أو رحلة في وجدانها. وسنقف مع جزءين من الثلاثيّة الفلاحيّة التي حققها المصوّر الفرنسي ريمون دوباردون... وسنكتشف أحدث أفلام سيمون بيتون (راجع البورتريه أقصى اليسار)، وسنشاهد أحدث أفلام الجزائري مالك بن اسماعيل («ولو في الصين» عرض الختام) الذي يقوم برحلة أركيولوجيّة في ذاكرة الجزائر بلد المليون شهيد.
«شواطئ آنييس» هو عنوان فيلم أوتوبيوغرافي شاعري لآنييس فاردا، يعرض في افتتاح المهرجان. تستعيد السينمائيّة التي اقترن اسمها بالموجة الجديدة، والمناضلة النسوية التي تقاسمت حياة السينمائي الراحل جاك ديمي، حول الشواطئ التي طبعت حياتها... وتتقاطع تلك الرحلة مع لقطات من أعمالها وريبورتاجات، ما يجعل العمل رحلة شيّقة في مسيرتها السينمائيّة.
كريستيان روو يعود بنا في «ليب، السلطة للخيال» إلى سنوات «الثورة الطلابيّة» في فرنسا 1968، وما تلاها من تحرّكات عمّاليّة كان أبرزها احتلال عمّال مصانع LIP للساعات، لمصنعهم الذي استغرق سنوات، وتحوّل إلى أسطورة في الأدبيات اليساريّة والعمّاليّة. يعود الشريط إلى تلك المرحلة، يلتقي رموزها، يحاول أن يفهم دوافعهم وخلفيّاتهم.
ويقدم الثنائي جان ـــ بيار دوري وأندريا سانتانا «لأننا ولدنا». الفيلم يدور حول مراهقين في محطة وقود ضائعة في مجاهل البرازيل، وتطلعاتهم وعلاقتهم بالعالم الخارجي («الحضارة»؟) الذي يبدو بعيداً. أما سيمون بيتون، فتحمل إلينا أجمل أفلام البرنامج هذا العام، وأكثرها وقعاً على الجمهور ربّما، انطلاقاً من حكاية تلك المراهقة الأميركية التي تحوّلت إلى أسطورة على جدران رفح وفي وجدان العرب الباحثين عن «الوجه الآخر لأميركا».
ريمون دوباردون لجهته، أمضى ما لا يقل عن عشر سنوات يرصد أهل الريف المنسيّ في قلب فرنسا، متصالحاً مع ماضيه وجذورها التي أنكرها طويلاً. النتيجة ثلاثة أفلام فريدة من نوعها: «الثلاثيّة الفلاحيّة» إذا شئنا: نشاهد منها جزءين «وجوه من الحياة اليوميّة» و«الحياة الحديثة». وقد سافر أوليفييه مايس من جهته إلى الصين (في الركام)، ليصوّر معاناة أحد الأحياء الشعبيّة العريقة في بكين التي عمرها 500 عام (كيانمين)، والتي تشرّد أهلها وتعرّضت بيوتها للمصادرة والهدم من أجل بناء أحياء عصريّة تليق بالألعاب الأولمبيّة التي شهدتها الصين 2008. ولا بد من الإشارة إلى «خبزنا اليومي» شريط نيكولوس غيرهالتر الذي يغوص في الجزء غير المعروف من قطاع الصناعات الغذائيّة... ليرينا حجم الخطر والبؤس والاستغلال، من وجهة نظر الشاهد، من دون أي تعليق مباشر، أو أمثولة أيديولوجيّة. ويعطي المهرجان «كارت بلانش» لجان ـــ بيار رام الذي يقدّم عدداً من الأعمال من حول العالم، وفيّاً لتلك النظرة التي يدافع عنها: الوثائقي ترجمة لحقيقة ما زالت حتّى اليوم خارج دائرة إدراكنا.


من الأول حتى 10 نيسان (أبريل) المقبل ــ «متروبوليس» (صوفيل ـ الأشرفية) ــ 204080/ 01